ومنهم شمس الدين صواب الحموي الناصري (١) ، كان من شيوخهم ورؤسائهم قليل الكلام ، لا تراه إلا مشتغلا بنفسه ، إذا جلس إلى الشيخ أمر بمعروف ونهى عن منكر ، وكان صاحب رأي صائب ، وله حسنات خفيات.
ثم ظهر بعده على طريقته أو أزيد خادمه أمين الدين مفيد ، وحفظ القرآن وربع «التنبيه» وصحب أهل الخير واشتهر بالدين والأمانة ، فاعتمد عليه ، وسلم إليه ما يعدّ من الحاصل ، للصرف على الفقراء والأوقاف وغيرها ، وهو الأمين على ما في القبة التي وسط الحرم ، وبيده مفاتيح حاصلها ، وهو أهل لذلك فنعم الحسنة خلفها شمس الدين بعده ، توفي سنة تسع عشرة وسبعمائة ، وتوفي أمين الدين مفيد في سنة أربع وسبعين وسبعمائة.
ومنهم سعد الدين نجيب الفاخري ، له اعتقاد في الصالحين وحسن ظن فيه ، مع سلامة باطن ، فيخدع لمن تزيا بزي الفقراء ، وكان سليم القلب ، حسن الخلق ، كثير الخير والصلة ، عليه خفارة وحشمة.
واتفق أن جاء إلى المدينة في أيامه رجل من اليمن ادّعى أنه شريف ، كان له شكالة حسنة ، مع طول قامة وسكون وحشمة ، وكان معه جماعة في طوله يتبعونه ويعظمونه ، فأظهر أنه صاحب الزمان ، وسكن مع أصحابه في دار النفيس شامي المسجد الشريف ، فانعطف عليهم الناس وهادوهم ، وتمكنوا من خاطر الفاخري تمكينا جيدا ، ووعدوه أنه يكون عنده من المقربين إذا خرج ، فأقام على ذلك مدة تهدى إليه البذلات الرفيعة ، والموائد الفاخرة تجري عليه من عنده ، ومن عند إخوانه جماعة من الشرفاء ، وكان في حفظ نفسه ومراعاة رئاسته عجبا ، فلما طال مقامه وأبطأت عداته تكعكع عنه الناس قليلا ، فلما أحسّ بذلك سافر إلى العراق ، فلم يطلع بعد ذلك خبره.
ثم ظهر بعد ذلك رجل من أهل تونس. وكان والدي رحمهالله يعرفه في تونس هو وأبوه ، يقال له : ابن حماس ، ظهر بهذه الطريقة ،
__________________
(١) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٥٩ (١٨٢٣) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «الدرر الكامنة» ٢ / ٢٠٨ (١٩٨٢).