وتولية عزّ الدين (١) واستنابة شمس الدين الجمداري (٢) عنه ، ثم جاء عزّ الدين مع الحاج ، وسافر الديري إلى مصر وأقام بها إلى أن توفي ، وأقام شرف الدين الخزنداري في المدينة مع الشيخ عزّ الدين معظما محترما مسموع الكلمة ، وكان له من الخدام جماعة ، وحفدة لا يخرجون عن رأيه ، ولم يكن ما بينه وبين عزّ الدين حسنا ، وكان عزّ الدين يعامله بالحلم والصبر والمداراة ، وكان شرف الدين قد سافر إلى مصر في ولاية عزّ الدين الأخيرة ، وسعى في المشيخة فلم تحصل له ، وولي النيابة بمرسوم سلطاني ، وكان نائبا لعز الدين.
ثم إنّ الشيخ افتخار الدين توفي فجأة وأصبح في فراشه ميتا ، وذلك ليلة الأحد التاسع من شهر ربيع الآخر أحد شهور سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، واستمرّ عزّ الدين في الولاية على الطريقة الأولى من فعل الخيرات وعتق المماليك ، ووقف النخيل على الفقراء ، رحمهالله ونفع به.
فلما ضعف في بدنه وقوته لكبر سنّه ، لزم العزلة والإقبال على الخير ، ثم سعي عليه لأجل ذلك ، فولي الشيخ افتخار الدين ياقوت بن عبد الله الخزنداري (٣) ، وذلك في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ، وهو من المشايخ الرؤساء ، لم يقم أحد بحرمة المنصب مثله ، من أكمل الناس عقلا ، وأعظمهم حرمة ، مع التدين والعبادة والورع.
ذكر أنّه خدم الملوك بالديار المصرية مدة خمسة وعشرين سنة ، لا يتناول جامكية إلا من الجزية المأخوذة من أهل الكتاب تورعا من أموال السلطان ، وكان يشهد عند القضاة فيقبلون شهادته ، وله اجتهاد عظيم ، ومثابرة على سماع الحديث ، وكتب العلم والرقائق ، مع ملازمته للصلوات في الصف الأول والناس لا ينكرون عليه إلا قوة نفسه ، وذهابه في رأيه قدما لا يرجع لأحد فيه ، وفيه من شرف النفس ما إنه لا يتناول ما شرط له في الأوقاف على النظر ، بخلاف غيره من الشيوخ ، وفيه من الهيبة على أصحابه
__________________
(١) يقصد عز الدين دينار ، وقد تقدم ذكره.
(٢) هو : شمس الدين صواب الجمداري ، وستأتي ترجمته.
(٣) ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٤ / ٤٠٨ (١١٢٨).