هذا كله من التمر البرني ، وأما ألوان النخيل فلم تكن في حساب ، فأين تلك البركات ذهبت؟! والله مع نيات القوم ، والله المستعان.
ثم سعي على الشيخ فعزل ، وولي شرف الدين الخزنداري ، وكان وصوله بالمشيخة في أواخر سنة اثنين وأربعين وسبعمائة ، كان فحلا حذقا صلبا ، عارفا بأمور الدنيا وتصاريفها ، طالت مدته فولي الولاية في القاهرة على أخباز الخدام نقاده وغيرها ، فثوّر الفلاحين بدهائه ، وأتعبهم بأمره ونهيه وتعنّتاته ، وكان إذا حقد شديدا ، إذا استرضي لا يرضى مع طلاقة الوجه ولين الكلمة ، وممن كان من أحبابه وأخلائه الشيخ عبد الرحمن بن ياقوت (١) المؤذن الكبير القدر في القراءة ، مع حسن الصوت وسلامه الصدر ، وحسن الخلق والكرم العظيم في الحضر والسفر ، سافر معه إلى القاهرة وبات معه ذات ليلة في دار واحدة ، فكأن الشيخ عبد الرحمن قام من نومه بدهشة اختل فيها عقله ، فأخذ السيف وضرب به شرف الدين ضربة أخطأته ، فمسك وقيد ، حتى زال عنه ذلك ، فغضب عليه وسعى به عند الولاة والحكام حتى سجن ، ثم جعل في رجليه قيد ، وأدخل في الذين يخدمون في أعمال السلطان من أهل الجرائم الكبار ، وهو مسكين ضعيف البنية ، كثير الصوم والعبادة وتلاوة القرآن ، فاستمر على ذلك مدة والناس يدخلون على شرف الدين ليغفر له فلم يفعل ، حتى سخر الله له من أطلقه من ذلك وأرسله إلى الحجاز.
فلما وصل الخزندار إلى المدينة أتبعه في وظائفه ، وفي نفسه وعياله ، وسعى عليه عند الأمراء ليخرجوه من المدينة ، فلم يطيعوه في ذلك ، ومنعوه من الدخول إلى القاهرة والسفر إليها ، والإقامة بها بسبب ما يكتب فيه لأصحابه ، ولم يزل معه كذلك إلى أن طالت المدة ونسيت القضية ، وعاش بعده الشيخ عبد الرحمن إلى الآن ، نفعنا الله به.
وكانت مدة ولاية شرف الدين الخزنداري سنتين ، ثم سعى عليه شرف الديري (٢) فتولى المشيخة ، فلم يكمل له سنة ، حتى جاء الخبر بعزله ،
__________________
(١) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١٥٧ (٢٥٦٧) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) يقصد شرف الدين مختص الديري ، وقد تقدم ذكره.