ألقاه بينهما بعض الناس ، فلما شاع في المدينة خبر ولايته ، تسلط أهل الشر على جمال الدين ، وشغبوا عليه بكثرة القال والقيل وتوعّدوه ، وكانوا عصبة شر عفا الله عنا وعنهم ، فلحقه من كلامهم همّ وغمّ.
وقال لي رحمهالله : رأيت ليلة في منامي ، وقد همّني ما أسمع منهم من الأذى ، كأنّ باب جبريل حوّل إلى باب الرحمة ، وأنا أقول : كيف يزال باب ثابت إلى غيره ، ويبقى هذا الباب ماله باب؟
فلم يكن إلا قليلا ، إذ جاء الخبر بأنهم رجعوا عن خادم اللالا ، وولوا عزّ الدين. وكان عزّ الدين في باب الرحمة كما هو اليوم ، وبيت جوهر اللالا كما هو اليوم مجاور رباط صفي الدين السلامي رحمهالله ، فتفسر المنام ، فزال عن جمال الدين ما كان يجد ، ورجع كل من أهل الشر إلى ورائه ، وكان بين عزّ الدين دينار وبين جمال الدين من الاتحاد والمحبة ، وسماع الكلمة ، مثل ما كان بينه وبين ناصر الدين نصر عطا الله وأكثر ، وكان الشيخ عزّ الدين ـ رحمهالله ـ لأولاد المجاورين كالأب الشفيق ، إذا رأى أحدهم سأله عن حاله وحال أهل بيته وأولاده.
يقول : كيف أولادنا؟ كيف إخواننا؟
ويقضي الحوائج بطيب نفس لا يتنكر ولا يحرد ، فإذا انزعج أو غضب ، رجع عن قريب لم يئس من خيره ، ولو آيس بقوله ، وصرّح بعذره ، وطالت مدته أكثر من غيره. وسأذكر وفاته رحمهالله في ولاية الشيخ افتخار الدين ياقوت.
ثم سعي عليه فعزل ، وولي شرف الدين مختص الديري (١) ، فجاء الناس بأخلاق تركية لم تتهذب برياضة ، ولا بحجّ وزيارة ، وقام بهيبة وعزّة ، ولقد جلس يوما في المجلس الذي كان غيره يجلس فيه ، فجاء شهاب الدين العاوي ليجلس في صفّه لا في جنبه ، فأقامه بنهرة ، وعزّ عليه أن يستوي معه في صفّه ، وكذلك فعل بغيره حتى كان لا يجلس إليه ، إلا من يدلّ عليه ، لكنه كان له رغبة عظيمة في العمارة ، فانعمرت الأوقاف في أيامه ، ولو استمر فيها لكثر خيرها.
__________________
(١) ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٤ / ٣٤٤ (٩٣٦).