فاضلا في مذهب الشافعي رضياللهعنه ، وفي أصول الفقه ، مشاركا في العربية وغيرها ، تفقه بالشيخ برهان الدين ابن الفركاح وطبقته مثل قاضي القضاة ابن البارزي وغيره ، ومولده في سنة عشر وسبعمائة.
وجاء إلى المدينة بأخلاق رضية ، ونفس زكية ، فوجد اختلافا كثيرا فسكّنه ، وعيوبا جمة فسترها ، وتحبب إلى قلوب المجاورين والخدام ، واستمال الطلبة وحضهم على الاشتغال ، وتبتل للإفادة فعكفت على محبته واعتقاده القلوب ، وانطلقت الألسن بذكره وشكره.
وكنت أقول لأصحابي : هذا رجل لا يتطرق العيب إليه ، ولا يجد العدوّ فيه مطعنا. فلما طالت إقامته في المدينة وكبر سنه وأولاده ، لاذ به وبهم جماعة من شباب الطلبة الذين لم تحكمهم الليالي والأيام ، ولم يربّهم ذوو النهى والأحلام ، فأظهروا إليه النصيحة بالكلام في أعراض أصحابه ، ونقل مجالسهم إليه ، والتنميم عليهم.
فأفسدوا عقيدته في أصحابه ، وكان رجلا متخيلا ، فصار يحمل نصحهم له على الغش له والنصيحة مرّة ، فيتحقق عداوتهم له ويصدق النمامين بالظن والحدس والتخمين ، وصار يتكلم في المجالس العامة بما تفر عنه الكبار وذوي العقول الراجحة.
ثم سعوا بينه وبين الخدام فأفسدوا ما بينه وبينهم من الألفة والمحبة ، وكان قد فوض إلى الشيخ إفتخار الدين أحكام الحرم والوظائف ، والكلام على الربط والأوقاف ، وكنت ألومه على ذلك فلا يرجع إلى كلامي ففسد حال الناس من الجهتين ، وأضرمت نار الفتنة ، وافترقت الكلمة ، وتحزب الناس أحزابا ، وحاول أن يعيد الأمور التي تتعلق به إليه بعد أن جعلها بيد الشيخ ، فلم يتمكن من ذلك.
فاستحكم الفساد ، وصارت آراؤه تصدر عن مشاورة الشبان ، وبدت منه أشياء لا تليق بعقله وحسن سياسته ، ونفر عنه أكثر المجاورين والخدام ، ومالت عنه قلوبهم واجتمعت كلمتهم على غيره. فحينئذ أسفر له ضوء الصبح ، وتبين له سبيل النجح ، فلم يكن تلا في الحال ، وانفرد في غوغاء أهل قيل وقال.