وفي مثل ذلك يقول القائل :
لا خير في الناس فوضى لا سراة لهم |
|
ولا سراة إذا جهالهم سادوا |
إذا تولى سراة الناس أمرهم |
|
نمى على ذاك أمر الناس وازدادوا |
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت |
|
فإن تولت فبالأشرار تنقاد |
واتفق له مع الخدام موطن في بيته حضره جماعة من الأشراف ، فلو لا لطف الله تعالى لكان يحكي يوم الدار.
ولما سافر الناس إلى مصر قلّ الشاكر وكثر الشاكي ، وكان قد عزلني عن نيابته في الأحكام ، فجاءني في أثناء السنة وهي سنة خمس وستين وسبعمائة ، توقيع شريف بأن أجري على عادتي في الأحكام ، وأن لا يتعرض لعزلي أحد من الناس الحكام ، وجاء للخدام أيضا ما قويت به شوكتهم ، وعلت به كلمتهم ، فحينئذ أقبل على شأنه ، حافظا للسانه ، متحرزا من إخوانه.
ثم سافر إلى مصر مع الركب المصري ليمهد الأحوال ، ويدرك جميع الآمال ، فلما وصل إلى مصر تحقق أن سعيه في ذلك يسقط حشمته ، وينقص حرمته ، فاختار المقام بمصر فعزل.
وولي المنصب الشريف الشيخ الإمام العلامة جامع أشتات الفضائل ، شمس الدين محمد بن سليمان الشهير الحكري المصري الشافعي (١) ، وصل المدينة المشرفة في ذي الحجة سنة ست وستين وسبعمائة ، إمام فاضل في مذهب الشافعي رضياللهعنه ، رحلة في علم القراءات وما يتعلق بها من العربية والتصريف وغير ذلك ، له تآليف عديدة مفيدة ، منها : (شرح الحاوي) و (شرح الألفية) ، وغير ذلك ، وقام بالخطبة والإمامة أحسن قيام ، لم يل هذا المنصب أحد ألين منه عريكة ، ولا أكثر تواضعا ، ولا أصح منه سريرة ، ولا أصفى قلبا للمجاورين ، غير أنه وجد عند الخدام بقايا ذلك العناد الذي تأسس في أيام القاضي تاج
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤٨٤ (٣٧٩٨) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٦٥ / ب ، «الدرر الكامنة» ٣ / ٤٥١ (١٢١٥).