ثم كشف الحال أنهم جماعة الأمير جماز بن منصور قدم المدينة متوليا لها بمرسوم السلطان ، ومعه القاضي تقي الدين الهوريني متوليا ، ومعهم مرسوم بعزل شيخ الخدام عز الدين دينار ، وولاية الشيخ افتخار الدين ، فعجب الناس من وصولهم إلى أبواب المدينة ولم يبلغهم الخبر.
وفي صبيحة الحادي عشر دخلوا المدينة ، وخرج آل جماز من المدينة أشر خروج ، حفاة فارّين من الأسوار والأبواب ، فنادى الأمير جماز في أصحابه : أن لا يتبعهم منكم أحد ، ومنّ عليهم وعفى عنهم.
واستقر في القلعة الأمير جماز ، وفي منصب الحكم القاضي تقي الدين الهوريني ، وفي مشيخة الحرم الخزنداري نيابة عن افتخار الدين ، واستقر القاضي تقي الدين على عادته في فصل الأحكام ، وسياسة الأنام مقبلا على العبادة والاشتغال بما يقربه من الله ، وجريت معه على العادة في نيابة الحكم ، فحاول الأمير جماز رجوع الإمامية إلى ما كانوا عليه ، وأذن ليوسف الشريشير أن يحكم بين الغرماء ، وظهرت كلمتهم ، وارتفعت رايتهم ، وأظهر الأمير لي وللمجاورين الجفاء والغلظة في الكلام ، فسافر الناس في أثناء السنة إلى مصر وتحدثوا بذلك فبلغ السلطان فاغتاظ لذلك ، وبلغه أيضا ما جرى للشيخ ضياء الدين الهندي من الضرر في القلعة ، فبعث مع الموسم شخصين أشقرين شقيين فقتلاه ، وانتقل إلى رحمة الله شهيدا فباءا بذنبه.
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].
فلما كان في أول سنة ستين وسبعمائة توفي القاضي تقي الدين إلى رحمة الله تعالى ، وذكر أن مولده في سنة أربع وتسعين وستمائة تغمده الله برحمته ، ووصل الخبر بموته إلى القاهرة.
فولي المنصب الشريف الشيخ الإمام العلامة المتفنن تاج الدين محمد بن عثمان الكركي (١) ، فوصل إلى المدينة في آخر سنة ستين وسبعمائة ، وكان
__________________
(١) هو : أبو عبد الله محمد بن عثمان بن الخضر الأنصاري الصرخدي ، ثم الكركي الشافعي ... ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٥٣٥ (٣٩٨٢) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٦٦ / أ، «الدرر الكامنة» ٤ / ٤٧ (١٣٥).