فأقول لهم : هذه سنّة شيخي ، لا أتركها لقولكم.
قال : فبينما أنا ذات ليلة نائم ، إذ رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في المسجد الشريف والناس حوله ، وأنا من وراء الشباك الحديد الذي في القبلة في دار آل عمر بن الخطاب رضياللهعنه. قال : فكلما هممت بالدخول من الشباك يدخل رأسي ، فإذا بلغ إلى أحد القرنين منعاني من الدخول ، ورأيتهما قد صارا من حديد ، فعجزت عن إدخالهما ، فاحترق قلبي من شدة الألم على عدم وصولي إليه صلىاللهعليهوسلم ، ثم انتبهت وتناولت المقص وقصصتهما من ساعتي قبل قص الرؤيا ، فلما أصبحت شكرني الجماعة على ذلك ، فقلت : والله ما فعلته إلا لأجل كذا ، وعلمت أن الخير كله في اتباع السنّة.
ثم خلفه في سقي الماء بالحرم الشريف ، وفي السقاية التي كانت في المسجد المتقدم ذكرها ، الشيخ حسين بن علي بن رستم الشيرازي (١) ، كان من الشيوخ القدماء على طريقة حسنة ، وتسبّب في الحلال بتعفف وصيانة ، وخلف ولدين.
أحدهما : الفقيه الفاضل شمس الدين محمد (٢) بن حسين اشتغل بالطب ورحل إلى الشام ، وخالط الصوفية ورأس فيهم ، وتخلق بأخلاق أهل زمانه وتأدب بآدابهم.
والآخر : حسن (٣) ، فيه مكارم الأخلاق وخدمة للفقراء وموالاة حسنة ، أعانه الله تعالى وسدده وأصلحه.
واعلم أنا لم نقصد إلا ذكر من اشتهر بالعلم والعمل ، أو بالمناقب الحسنة ، والطريق المستحسنة ، فإن تخلل أولئك ذكر من هو أنزل منه درجة ، فما ذكرته إلا استطرادا أو لمقصد ينبني على ذكره ، ولو تتبعت ذكر من أدركته في المدينة من الأخيار وذكر مناقبهم لملأت الأوراق بما يحمّل النجيبات العتاق ، لكن اقتصرت على من حضر في فكري ، وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب ، والله الموفق.
__________________
(١) ذكره في «التحفة اللطيفة» ١ / ٢٩٥ (٩١١) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤٧١ (٣٧٣٧) ، «الدرر الكامنة» ٢ / ٤٢٨ (١١٤٦)
(٣) ذكره في «التحفة اللطيفة» ١ / ٢٧٥ (٩١٨) ، نقلا عن ابن فرحون.