ومن قدمائهم اليوم إقبال الحريري (١) ، أسن وكبر وهو على طريقة حسنة من السكون والاشتغال بنفسه.
وكان من الذين أدركتهم من أعيانهم اثنا عشر فراشا كان منهم الشيخ عمر الفراش (٢) ، كان يقرأ القرآن وكان من ألطف الناس بنية وحديثا وخدمة.
وممن دخل معهم في أواخر الوقت رغبة في التماس بركة الخدمة ، الشيخ يوسف الصعيدي الشهير بصبي الخطيب ، كان من قدماء المجاورين ، على طريقة حسنة قرأ القرآن على الشيخ عبد الحميد وغيره ، وكان ملازما للسراج قاضي المدينة فعرف به ، وكان نقيبا على الفقهاء ، وكان يلبس القضاة جميعهم ثياب الخطابة ، وصحب خلقا من الصالحين ، وخدم كثيرا من الشيوخ المتقدم ذكرهم ، له عليّ خدمة وموالاة عظيمة ، وفقدت دعاه ومحبته. توفي سنة ست وستين وسبعمائة ، وقد ناف على الثمانين ، رحمة الله عليه.
وكان ممن أدركته من السقائين بالحرم الشريف الشيخ محمد السقا ، المعروف بأبي حسين ، هو جد أولاد الشيخ محمد الكازروني لأمهم ، كان حسن الوجه طويل السبلة ، تصل لحيته إلى سرّته ، وربما عثر بها ، حسن الصوت ، كانت له بالمدينة إقامة طويلة ومجاورة جميلة ، كان ـ رحمهالله ـ يملأ المسجد الشريف بالدوارق يصفّها من باب الرحمة إلى باب النساء ، ويجعل في أعناق الدوارق مقطعا يقيدها به حتى لا تسرق ولا تغيّر من مكانها ، وما علمته يأخذ على ذلك أجرة.
حكى لي رحمهالله أنه ربى من شاربه سبلتين حتى طالتا ، وجعلهما منعطفتين على فمه كالقرنين.
قال : وكان مشايخ المجاورين والعلماء منهم يقولون لي : السنّة قص الشارب ، فأنقص ما طال من هذين القرنين الذين شوّها وجهك وغيّرا جمالك!
__________________
(١) ذكره في «التحفة اللطيفة» ١ / ١٩٤ (٥٢٦) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) ذكره في «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٥٨ (٣٣٣٥) ، نقلا عن ابن فرحون.