وكان رؤوساء المدينة يوالون المجاورين ويخدمونهم ، ويتقربون إلى خواطرهم بقضاء الحوائج والهدايا والطرف ، مع حسن الاعتقاد فيهم والتماس بركتهم وأدعيتهم.
منهم : نور الدين علي بن الصيفي (١) ، كان من رؤساء المدينة وخيارهم ، وكان يوالي المجاورين ويخدمهم في قضاء حوائجهم ، مع جلالة قدره وعلو كلمته ومحبّة الأمراء له ، وقد تقدم أن الشيخ العالم العلامة أبا محمد عبد الله بن حجاج (٢) الشهير بمكشوف الرأس لما توفي أسند وصيته إليه لما كان بينهما من المودة ، وفي هذا دليل على ما ذكرناه ، وله في هذا الباب مناقب كثيرة.
ومنهم نور الدين علي بن يحيى (٣) ، صاحب الرباط المشهور والسقاية ، وكان يتحبب بالمجاورين والخدام ، ويخدمهم ويقضي حوائجهم.
حكى لي الشيخ جمال الدين المطري رحمهالله ، أن الشرفاء في سنة فتنة اقتسموا المدينة في زعمهم لينهبوها ، وكانت المدينة محشوة بالأشراف منهم المداعبة في حارة الخدام ساكنين معهم مخالطين لهم ، وكذلك البدور في حوش الحسن وما حوله ، والو حاحدة في السويقة وما حولها ، والمنايفة عند المدرسة الشهابية ، وآل منصور في البلاط. فأرجفوا بالناس وأشاعوا أنهم يغلقون أبواب الحرم بعد صلاة الصبح على الناس ، ويعقبونهم على بيوتهم فينهبونها ، وأنهم يقتلون من في الحرم من الناس ، وكان لذلك أسباب وترتيبات من أهل الشر ، فاستعدّ المجاورون والخدام لذلك ، واستصحبوا أسلحتهم عند خروجهم وعند دخولهم.
فقام نور الدين علي بن يحيى في بعض الأيام بعد صلاة الصبح ، وصاح بأعلى صوته : أيها الناس ، الفتنة خامدة ، لعن الله مثيرها ، وكرر ذلك مرارا.
__________________
(١) ذكره في «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٧٩ (٣٠٣٦) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) تقدم ذكره.
(٣) ذكره في «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٠٤ (٣١٠١) ، نقلا عن ابن فرحون.