وأما الشيخ إلياس فكان من الأخيار المعدودين ، كان في سلامة القلب وحسن السيرة والتفرد عن الخلق على قدم عظيم ، قرأ على الشيخ أبي عبد الله القصري ، وكان من أكابر أصحابه وممن انتفع به ، وكان موته فجأة.
وذلك أنه خرج يوما إلى البقيع فزار أهله وسلّم عليهم ، ثم رجع فما بات إلا معهم ، رحمهالله تعالى.
وأما الشيخ صالح فكان من أخواننا وأصحابنا القدماء ، وكان ممن توسط حاله بين التصرف في أمور الدنيا والآخرة ، وكان سعيه في معيشته بتعفف وديانة ، وكان من أحسن الناس خلقا وأرعاهم صحبة ، كثير التلاوة لكتاب الله تعالى ، توفي عن عقب صالح مباركين مشتغلين بالعلم ، فأما أكبرهم فحبب إليه التغرّب فاستقر بالقاهرة ، ومات عبد الرحمن (١) غريبا شهيدا ، وكان قد حصل واشتغل وسمع كثيرا تغمده الله برحمته ، وأقام بالمدينة سراج الدين عمر (٢) فاشتغل بالفقه والحديث ، وقرأ القراءات السّبع على الشيخ محمد بن صالح المتقدم ذكره وانتفع به ولزم الخير وأهله.
وكانت وفاة والدهم في طريق مكة المشرفة محرما بالحج بالمفازة التي بين بدر ورابغ ، وذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
وأما الشيخ محمد التلمساني ، فكان من أهل الخير والصلاح ، مكبا على الاشتغال بالفقه ، وكان خصيصا بالشيخ العلامة أبي العباس الشاذلي (٣) رحمهالله ، وكان محبا للعلماء وخدمتهم ، طالبا للسلامة والعزلة ، قليل السعي في طلب الدنيا ، وكان يشتغل بتجليد الكتب وانتفع الناس به في ذلك ، خلف ولدا مباركا نجيبا مشتغلا بالعلم حصل وانتفع ، وقام ببر والده بعد وفاته فخلص ذمته من أشياء كانت عليه ولم يوص بها ، فأداها مع عجزه وضعفه ، نفعه الله بنيته وأعانه على فعل الخير. وتوفي والده رحمهالله في سنة أربع وخمسين وسبعمائة.
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١٣٢ (٢٤٥٥) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٤١ (٣٢٦٠) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٣) هو : أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الشاذلي الفاسي ، كان فقيها ، فاضلا متقنا ، إماما في أصول الفقه ، توفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ١ / ١١١ (١٩٨) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٣٣ / ب.