الدرس وغيرها ، وكان يتأدب معي في الدرس كأصغر الطلبة ، يقع بيني وبينه في
الدرس خروجا من حسن خلقه ، وكان شيخا مليح الشكالة ، حسن السمت حييا وقورا شفوقا ،
وكان قد صحب الشيخ أبا هادي شيخ وقته وفريد دهره ، مناقبه أشهر من أن تذكر ،
ومحاسنه لا تعد ولا تحصر ، رحمة الله عليه.
وكان الشيخ عبد
السلام عنده مقدما على أصحابه القراء والمشتغلين بالعلم ، وكان الشيخ أبو الطيب
يقول في حقه : من أراد أن ينظر إلى من يقدر على مساكنة الحية في جحرها فيسلم منها
وتسلم منه ، فلينظر إلى الشيخ عبد السلام بن غلاب رحمة الله عليهما.
وكان الشيخ أبو
هادي قد جاور عندنا في حدود خمس وعشرين وسبعمائة ، فأنزلته عندي وكنت أواليه
وأخدمه ، وكان منفردا عن التلامذة والأتباع ، وكان أكثر عبادته التفكر ، وكان
مسكني يشرف على مسكنه ، فكان يعبد الله بالفكرة فغالب ما كنت أراه رافعا بصره إلى
السماء مستغرقا بجميع حواسه في الفكرة ، وحصل لي بصحبته خير كثير.
ولما قدم الشيخ
عبد السلام إلى المدينة أقام بالمدرسة الشهابية على قدم التجريد مدة سنين ، ثم سعى
الله له في الزواج على يد الشيخ الصالح خادم الفقراء الشريف أبي القاسم المهدوي
فزوجه بابنة الشيخ يحيى التونسي المتقدم ذكره ، وكانت أختها تحت الشريف ، وكان
الشريف خادم الفقراء عند الشيخ أبي هادي ومن هناك تأكدت الأخوة بينهما. وكان
الشريف ذا همة ومروءة وخدمة للفقراء ومحبة في الصالحين. توفي في ذي الحجة من سنة
تسع وخمسين وسبعمائة ووصى على أولاده الشيخ عبد السلام فخلفه فيهم بأحسن الخلاقة ،
وكانت وفاة الشيخ عبد السلام في أوائل سنة ست وستين وسبعمائة.
وكان من قدماء
الطلبة الشيخ قاسم السلاوي كان من إخواننا الفضلاء العلماء الأكياس ، وكان يحضر
الدرس عند والدي رحمهالله ، وكان
__________________