من النجباء المتفننين ماهرا في علم الفرائض ، نقالا للفروع. وكان من الزعماء الذين تركوا شهامتهم وقوة بطشهم في بلادهم وهاجر إلى الله ورسوله ، وكان فقيرا ضيق الحال.
وكان مقدما في العلم والتعليم معلّمنا الشيخ محمد السبتي (١) ، كان بلا شك من المحدثين ، وكان من قدماء المجاورين ، وله على أولاد المجاورين بل وأهل المدينة يد طولى ومنة عظيمة في تعليمهم القرآن ، إن قلت : إنه لم ينجب أحد من الأولاد في زمانه على يد غيره من المعلّمين فلست من الكذابين!! وكان في كتّابه فجعل العرفاء فوق من دونهم ، وقدّم على كل طائفة واحدا منهم ، وانتظم له سلك التعليم أكثره بالتخويف والتهديد ، وكانت له فراسة عظيمة في الولدان حتى إنه ليقول للواحد منهم : أنت كنت في مكان كذا ، وفعلت كذا وكذا ، فيكون ذلك حقا!! وكان يهاب في غيبته أكثر من حضوره.
ومما جرى لنا يوما معه أن الطواشي شفيعا الكرموني جاء إليه يوما فقال له : إنّ عمار الحرم قد فقدوا مربّعة خشب مدهونة يكون قدرها ذراعا في ذراع ، وما نظن أخذها إلا بعض الأولاد. فقال : اذهب فستأتيك إن شاء الله.
ثم قال لنا : اقرأوا وارفعوا أصواتكم ، ففعلنا.
ثم قال لنا : اسكتوا فسكتنا.
فقال : قم يا حسين فأت بالمربعة. فقال : ما أخذتها وجعل يبكي.
فقال له : أقرا على حالك. ثم دعا بعض الأولاد.
وقال له : امض إلى بيته وقل لأهله : حسين يقول لكم : ابعثوا لي المربّعة التي أتيتكم بها البارحة. فما كان إلا قليلا إذ جاء بها وهو ينظر فبهت فضربه ، ثم أمر بجميع الصبيان فضربوه ، وكانت فراسته قلّ أن تخطئ.
__________________
(١) هو : محمد بن عبد الله السبتي. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٥٠٥ (٣٨٨٨) ، نقلا عن ابن فرحون.