فحمل إلى مكة وتأخر عن الحج ، وودعناه عند توجهنا إلى المدينة فوصانا بولديه صدر الدين وأبي عبد الله ، ثم لم يقم بعد ذلك إلا قليلا ، وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه.
وكان من أصحابنا جماعة مباركين ، كانوا إخوة في الله متلائمين ، وعلى فعل الخير والاشتغال بالعلم متظاهرين.
منهم الأخوان في الله العاملان العالمان السيدان الشيخ أبو علي الحسن بن عيسى الحاحائي (١)(٢) ، والشيخ عبد السلام بن سعيد بن عبد الغالب القروي (٣) ، كان الشيخ حسن رحمهالله من العلماء الأتقياء الأقوياء في دينهم مع التفنن في علوم عديدة ، إماما في مذهب مالك وفي العربية وأصول الفقه ، رحلة في علم الحساب والفرائض ، مشاركا في اللغة وغيرها ، متصديا للاشتغال ، انتفع به الطلبة من جميع المذاهب الأربعة ، وكان ساكنا برباط دكالة في حجرة الصالحين ، وكان أفضل جماعتنا في الدرس بعد وفاة أخي رحمهالله ، وكان حسن الأخلاق مرغبا للطلبة في الاشتغال مع الهيبة العظيمة عليهم. توفي رحمهالله في سنة تسع وأربعين أو في سنة خمسين وسبعمائة.
وأما الشيخ عبد السلام فعاش بعده مدة طويلة ، وانتفع به الطلبة المالكية في المذهب ، وكان قد جمع إلى العلم الغزير ؛ الدين المتين والعقل الراجح ، كان في عقله وسكونه وحسن خلقه وجميل معاشرته وسلامة الناس من يده ولسانه بالصبر على الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة كقول ابن دريد :
والناس ألف منهم كواحد |
|
وواحد كالألف إن أمر عنا |
وكان قد رأس واشتهر ذكره فلم يزده ذلك إلا خمولا وانقباضا ، لم أر ولم أسمع منه ما يسوؤني قط ، مع الصحبة الطويلة والملازمة العظيمة في
__________________
(١) في جميع النسخ : «الحاجائي» ، والتصويب من «التحفة اللطيفة» و «المغانم المطابة».
(٢) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٢٨٥ (٩٤١) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٣٩ / ب.
(٣) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١٧١ (٢٦٠٤) ، «الدرر الكامنة» ٢ / ٣٦٦ ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٤٨ / أ.