لإخوانه ، كنت إذا جئت الصف الأول ولم أجد لي فيه مدخلا يفسح لي ويعزم عليّ ويقول :
سم الخياط مع المحبوب ميدان (١) |
|
.......... |
وكان لي من الإخوان الفقيه الفاضل العابد الورع الزاهد شمس الدين محمد بن يوسف الحليمي (٢) رحمهالله ، كان فيه من الخير والصلاح والعزلة عن الناس ما لا مزيد عليه ، وكان من الأولياء الأكياس ، ومن الناس الذين هم الناس ، وكان فاضلا في مذهب أبي حنيفة مشاركا في عدة علوم.
رحل إلى دمشق في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، واشتغل على الشيخ علاء الدين القونوي فآثره الشيخ على غيره ، واعتنى به وتفرس فيه الخير ، فرجع وقد حصّل واستفاد ، وكان إذا جلس في مجلس تكلم وأفاد ، فقدت من دعاويه وأنسه وولايته ونصيحته ما لم أفقده من أحد من الأصحاب ، كان ساكنا جواري حتى مات رحمهالله ، فلم أر منه غير الخير والمودة والمحبة في الغيبة والحضر.
كان يقول لي : والله ما وقفت تجاه الحجرة المشرفة ودعوت لنفسي إلا دعوت لك ، ولا ختمت ختمة إلا دعوت لك بدأها وآخرها ، وكان يقول : من شدة المودة أسأل الله تعالى أن لا يريني لك يوما أكرهه وأن يجعل يومي قبل يومك.
وعلى الجملة فكان من إخوان الصفاء وأهل الوفاء ليس من الإخوان الذين قال فيهم :
وإن من الإخوان إخوان نعمة |
|
وإخوان حيّاك الإله ومرحبا |
وإخوان كيف الحال والأهل كلهم |
|
وذلك لا يسوى نقيرا مترّبا |
وما أشبه الناس اليوم في تواددهم وتصافيهم بقول القائل :
دهرنا دهر افتراق |
|
ليس ذا دهر التلاقي |
__________________
(١) هذا شطر البيت الشعري :
سم الخياط مع الأحباب ميدان |
|
خضر الجنان مع الأعداء نيران |
(٢) ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٤ / ٣١٦ (٨٥٤).