أخبرني الشيخ عبد الله بن عمر الخراز ـ وكان حفيد الشيخ أبي بكر ابن بنته عائشة ـ قال : قال لي الشيخ أبو بكر : لما قدمت المدينة لم يكن بها من يتسمى بهذا الاسم ، فظهر لي كراهة أهل المدينة مع ما انضاف إلى ذلك من تسمية بنتي عائشة ، فهممت بتغيير اسمي.
قال : فرأيت سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لي : لم تغيّر اسمك؟
فقلت له : يا رسول الله إجلالا لصاحبك رضياللهعنه.
فقال : لا تفعل ، انظر إلى هؤلاء الذين تخشى منهم ، وأشار إلى آخر الحرم. قال : فنظرت فإذا بسبعين شخصا أعرفهم من أهل المدينة وجوههم وجوه بني آدم وباقي أجسامهم على صفة الخنازير.
ثم قال لي صلىاللهعليهوسلم : خذ هذه العصا وأخرجهم من المدينة.
قال : فقلت يا رسول الله أحبّ أن أعمّر حتى أدفنهم.
فقال : ستعيش بعدهم. قال : فانتبهت وأنا مسرور وانصرف عني ذلك الخاطر ، وصاروا ينقرضون طبقة بعد طبقة.
قال : وكنت إذا جئت إلى جماعة الخرازين يقولون : كم بقي من غرمائك؟ فأقول : عشرين ، عشرة ، خمسة ، حتى انقرضوا عن آخرهم في حياتي. وعاش مئة سنة ونيفا تغمده الله برحمته.
وكان من المشايخ العلماء الورعين المتنسكين المبرزين في الخير ، الشيخ إبراهيم التلمساني الشافعي (١) أقام في المدينة على أحسن طريقة ، لا يشبهه أحد في العزلة والانقطاع عن الناس ، عارفا بزمانه ، حافظا للسانه ، مقبلا على شأنه ، متحرزا من إخوانه ، ملازما لأواخر المسجد يشتغل في مذهبه طول نهاره ، ولا يدخل بيته إلا وقت الوضوء ، ولا يأتيه أحد إلا من يتبرك به ويرتجيه ، انتفع به الطلبة وتخرج عليه جماعة فظهروا نجباء علماء
__________________
(١) هو : العلامة الرباني الخاشع الناسك ، البرهان إبراهيم بن رجب بن حماد الرواشي الكلابي التلمساني الشافعي. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٦٩ (٤١) ، «الدرر الكامنة» ١ / ٧٩ (٢١٣) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٣٥ / أ. ذكرت المصادر المطبوع نسبته : «السلماني» بدلا من : «التلمساني» ، وما أثبت حسب ما ورد في الأصول الخطية للكتاب و «المغانم المطابة».