فاضلا في علم القراءات ، متقنا في التاريخ مجتهدا في العبادة ، ساكنا محبا في السلامة من الناس ولا يكاد يسلم. قرأ عليه من أولاد المجاورين جماعة كشمس الدين الحليمي وشمس الدين الششتري وطبقتهم ، ويقال عنه إنه صحب ابن سبعين ، وكان من أحبابنا ولم أر عليه ما يشينه في دينه. اشترى نخيلات وأوقفها ، آل أمرها إلى الخراب حتى إنه لا يكاد اليوم أحد يعرفها.
توفي رحمهالله في سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وكان من أكابر المجاورين المتأخرين أصحاب المجاهدة والصبر العظيم على مشقة العبادة والعزلة عن الناس ، شمس الدين (١) الخوجندي (٢) رحمهالله ، كان يسكن بالكرا خوفا من مساكنة أهل الرباط ، وكان يعمل أربعينيات يعتزل فيها عن الناس وكلامهم ، ويأكل فيها اليسير من الطعام ولا يقطع الصلاة في المسجد الشريف ، بل يجعل على رأسه ما يغطي به وجهه ويمنعه من الاشتغال بالنظر إلى ما يشغله ، ويأتي إلى الروضة في الصف الأول فيصلي ثم يرجع في الحين إلى بيته ، فلا يزال في صلاة وذكر ودعاء.
أخبرني الفقيه سراج الدين عبد اللطيف ابن العلامة شمس الدين محمد الزرندي ـ وكان جاره وداره تطل على دار الشيخ ـ قال : لا أقوم في ساعة من الليل إلا وأسمعه بين ذكر وقراءة ودعاء واستغفار مع بكاء وعويل ، وكان قد بورك له في الطعام.
أخبرني الشيخ شمس الدين الحليمي ـ رحمهالله ـ قال : أعطاني الشيخ صاعا من الدقيق.
وقال : اعمل منه رشيدة وأرسل لي كل ليلة منها بحفنة مطبوخة.
قال : ففعلت واستمر على ذلك مدة ، ثم قال : اعمل لي منه كل ليلة قرصا. ففعلت مدة.
ثم قال : اعمل منه في كل ليلة جمعة قصعة طعام للفقراء ، ففعلت.
وكان كل ليلة جمعة يجتمع عنده الفقراء فيذكرون إلى أن يذهب جزء كبير
__________________
(١) هو : محمد بن عبد الله الخجندي. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٥٠٤ (٣٨٨٣) ، «الدرر الكامنة» ٤ / ٣١٨ (٨٦٠) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٦٢ / أ.
(٢) في الأصول الخطية : «الخوجندي» ، وفي مصادر الترجمة : «الخجندي».