المفيدين بحسن الصبر وطول البال على الطلبة من غير معلوم له على ذلك بل لله تعالى ، انتفع به جماهير أولاد المجاورين وجواهرهم ، مثل الشيخ محمد الحلبي وشمس الدين الششتري ونظرائهم ، وممن انتفع عليه الشيخ يحيى القسنطيني.
وأخبرني أنه أقرأ القرآن في بلاده بغداد فوق خمسمائة نفس كلهم حفظ القرآن عليه وجوده بين يديه ، وكانت صنعته حز الخشب بالمخراط الشريف يعمل السبح ويبيعها ويتقوت بثمنها ، أقام على ذلك مدة ، وتزوج بنت عليّ (١) الفراش ، فرأت معه سعادة لحسن خلقه وطيب عشرته ، ثم توفي عن بنت صالحة لحقتها بركة أبيها. توفي في طريق الشام متوجها إلى المدينة في الموضع المعروف بالأخيضر ، ومات وهو ساجد في الصّلاة وذلك سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
وكان من الشيوخ المتصدرين للإقراء الشيخ الصالح المقري المجود برهان الدين إبراهيم (٢) بن مسعود بن سعد القاهري المعروف بابن الجابي المسروري الإربلي الأصل ، كان من الشيوخ القدماء المقرئين السبع ، أقام بالمدينة بعد إقامة طويلة بمكة ، وانتفع الناس به وجودوا عليه ، وكان شيخا مهيبا ، حسن الصمت مليح الشيبة متقدما على أبناء جنسه ، استنابه القاضي شرف الدين في الإمامة والخطابة مدة غيبته في القاهرة سنة اثنتين وأربعين ، وكان قد استنابه جمال الدين المطري في غيبته في الخطابة والإمامة أيضا في سنة ثمان وثلاثين ، وكان القاضي شرف الدين غائبا في القاهرة ، وكان مجيدا في أدائهما والقيام بهما ، وكان قد كف بصره في آخر عمره فصبر واحتسب.
توفي رحمهالله سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، ومولده بالقاهرة في سنة اثنتين وستين وسبعمائة.
وكان مثله في التصدر والإفادة والجودة والتحصيل الشيخ محمد
__________________
(١) هو : علي الحجار الفراش. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٠٩ (٣١١٤) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) ترجمته في : «الدرر الكامنة» ١ / ٧٣ (٩١) ، «التحفة اللطيفة» ١ / ٨٩ (١٣٦) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٣٦ / أ، «العقد الثمين».