فقال له : فإذا ما غسلت وجهك إلا لكونه نجسا.
وامتحن بالخدام فآذوه وضربوه ضربا شديدا ، واتهموه بأنه تكلم فيهم عند الأمير منصور ، ثم إنه صبر ولم يظهر من الجزع ما يوجب التعصب له ، بل صبر واحتمل حتى بلغه الأجل.
وكان ـ رحمهالله ـ كلما سمع بحكاية من الصالحين أو غيرهم مما دوّن في الكتب يقول : هذه بعينها أو قريبا منها اتفق لي ، وإن سمع بمغربة قال : أنا رأيت هذه ، لكثرة تغربه في البلاد وسياحته ، ومن اجتمع بهم من سائر الطوائف.
وكان الشيخ يحيى القسنطيني من أخص الناس به وأكثرهم ملازمة له على طريق الخدمة أولا ، ثم على طريق الصحبة آخرا ، وتخلق الشيخ يحيى القسنطيني بأخلاقه واكتسب من آدابه ، وكان ملازما له في شبوبيته حضرا وسفرا ، فتعرف بأصحاب الشيخ ومعارفه ، وصاروا له إخوانا من بعده ، وكانت وفاة الشيخ يحيى التونسي رحمهالله سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، ومولده سنة إحدى وأربعين وستمائة.
وأما الشيخ يحيى القسنطيني فإنه اليوم من رجال زمانه ورؤساء إخوانه ، قرأ القرآن في شبوبيته فحفظه وجوّده ، ثم حفظ «الرّسالة» في مذهب مالك ، واشتغل بالعلم وسمع الحديث ، وأقرأ القرآن وانتفع عليه جماعة ، ورزق حسن السمت ووفرة العقل وصدق اللهجة ، والصّدع بالحق مع الدين المتين ، وحسن اليقين ، ورزق أولادا نجباء ، توفي أكبرهم الفقيه شهاب الدين أحمد في سنة تسع وخمسين وسبعمائة ، وكان اشتغل اشتغالا كثيرا وله محفوظات عديدة ، وحصّل علماء. وكان فيه أهلية الترقي إلى الفتيا ، وخلف ولدين حفظا القرآن وكفلهما جدهما ، وفقهما الله تعالى.
وكان من الشيوخ المتصدرين للإقراء والإفادة الشيخ محمد الخراز (١) ، كان من المجاورين القدماء الأخيار المتبتّلين لإقراء القرآن
__________________
(١) ترجمته في : «المغانم المطابة» الورقة ٢٦٤ / أ.