يقول قبل سفره : ما أظن أجلي إلا قد قرب فإني مسافر من غير ضرورة ، وما أظن ذلك إلا للنقلة إلى التربة ، فكان كذلك.
توفي رحمهالله بقطية في طريق مصر ، وذلك في سنة سبع وعشرين وسبعمائة ، وعاش بعده الشيخ يحيى التونسي مدة طويلة ، وكان حسن المحاضرة يقطع مجلسه بإنشاد الشعر الرقيق ، والحكايات الغريبة ، والأمثال المستظرفة غير أنه لم تكن له عربية ، بل كان فصيحا بالسجية والسليقة.
وقد سأل معاوية فقال : كيف ابن زياد؟
قالوا : ظريف على أنه يلحن.
فقال : أو ليس ذلك أظرف له؟
قالوا : أو إنما استظرفه لأن السّليقة وتجنب الإعراب مما يستملح في البذلة من الكلام. ومن ذلك قول الشاعر :
منطق صائب ويلحن حينا |
|
واحلى الحديث ما كان لحنا |
والسليقة يراد بها طبع الإنسان ، يقال : فلان يتكلم بالسليقة ، أي : بطبعه لا عن تعلم.
وكان من أكرم الناس فقير الذات ينفق ما بيده ، فإذا فني اقترض الألف والألفين ، ثم يقضي قضاء جميلا ، وكان له معتقدون ، ورزق حظوة عند القضاة وأكابر الناس لظرفه وحسن أخلاقه ومحاضرته ، تولى نائبا في الإمامة والخطابة عن القاضي شرف الدين ابن الأميوطي ، وكانت خطبته كلاما ملفقا غير مرتب ولا مفقّر فيحمل في ذلك على السذاجة ، وقلة الاحتفال بالتصنع في الأمور ، وعاش حتى صار لا يقدر على حبس الإراقة ولو كان في المسجد.
وقال له بعض الخدام : أتعبتنا بغسل موضعك من المسجد.
فقال له : وعلى أي شيء تأخذون الجامكية إلا على مثل هذا؟!
وقال لبعض الشيعة وقد رآه يتوضأ ويمسح على رجليه : لم لا تغسلهما؟
فقال : لأنهما طاهرتان.