وخرج أهل الخانقاه لتلقيه ، فلم يتفق لي الخروج معهم ، فلما وصل الخانقاه قصدته لأسلم عليه ، فلما وقع بصري عليه ، تحققت أنه الشيخ الذي سقاني في البرية ، فاستحييت من عدم خروجي مع الجماعة للقائه ، فلما سلمت عليه أنصفني في السلام ثم خلا بي.
وقال لي : أنت قادم ولك علينا حق وإنما جئت لزيارتك ، فإذا سافرت فالحق بي إلى الإسكندرية.
قال : فأقام الشيخ أبو العباس في الخانقاه ثلاثة أيام ثم سافر ، فأقمت بعده يوما أو يومين ، ثم لحقت به ، فألبسني الخرقة وتتلمذت له ، ثم استأذنته في الإقامة عنده؟ فقال لي : دار إقامتك مكة المشرفة.
قال الشيخ يحيى التونسي (١) : وذلك كله وقع بحضورنا ، فإنا كنا مع من تلقى الشيخ نجم الدين ثم تلقيت الشيخ أبا العباس ، ثم اجتمعنا مع الشيخ نجم الدين عند أبي العباس بالإسكندرية ، وصحبناه من هناك إلى مكة المشرفة ، فأقام بها ، وأقمت أنا وعبد الحميد عنده مدة طويلة ، وتزوجت الزوجة التي حنثت فيها بمكة ، وهي أم أولاد عبد الحميد ، قال : ثم ارتحلنا إلى المدينة فأقمنا بها.
قلت : وكانت وفاة الشيخ نجم الدين بمكة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ، ولما حنث الشيخ يحيى في زوجته التي تزوجها بمكة قدم وأراد من يحللها له ، فلم يجد من يفعل ذلك ممن يثق به إلا صاحبه الشيخ عبد الحميد ، فسعى في زواجه بها ، فلما حصلت عند عبد الحميد تشوف الشيخ يحيى إلى أن يطلقها لتحل له ، فلم يفعل واغتبط بها.
وقال له : لا أكون محللا لك ، ولم آخذها بهذه النية ، بل لصحبة الأدب فاقطع رجاك منها ، ولا تكن ممن يفسد ما هو لله بما هو للدنيا.
فكف عنها الشيخ يحيى ، وأقامت مع الشيخ عبد الحميد فولدت له إبراهيم وإسماعيل وبنتا ، فقرأ أولاده القرآن في حياته ورأس إبراهيم ، وكان
__________________
(١) ترجمته في : «العقد الثمين» ٧ / ٤٥٩ (٢٧٢٠).