عيذاب نفد زادنا ، وقسّى الله تعالى قلوب أهل القافلة علينا فكنا نحن والشيخ ليس لنا قوت إلا من نبات الأرض ، فلما أشرفنا على القرب من قبر الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمة الله عليه ، قال لنا الشيخ نجم الدين : إذا كان غدا إن شاء الله ستردون قبر الشيخ أبي الحسن وضيافتكم عنده زبيب ولوز.
قال الشيخ : فكان كذلك.
قال : ثم سافرنا فلما وصلنا إلى بلد عيذاب ، تلقانا الناس وأضافونا ضيافات كثيرة ، فكان الشيخ يبعث الطعام إلى أهل القافلة التي صحبناها فندموا على تفريطهم في خدمة الشيخ.
ثم قال لنا الشيخ : يا يحيى وعبد الحميد ، لن تجوعا بعد هذه الجوعة التي حصلت لكما إلى أن تلقيا الله تعالى ، فكان كذلك.
وحكى الشيخ يحيى المتقدم ذكره عن الشيخ يحيى التونسي قال : حكى لنا الشيخ نجم الدين أنه كان في ابتداء أمره مشتغلا بالعلم ، وكان له بساتين وأملاك ودائرة كبيرة ، فانتقل عن أهله وترك جميع أملاكه وصحب بعض الشيوخ المشار إليهم في زمانه ببلاد العجم فأقام عنده مدة.
ثم قال له : يا سيدي أريد أن تدلني على طريق السلوك؟
فقال له : نعم ، امض إلى منزلك واكشف لي عن مسألة كذا وكذا ، وأخبرني بما قيل فيها ، فذهب ثم رجع وأخبره بما سأل عنه.
فقال له : يا ولدي أقبل على الاشتغال بالعلم ، فأقبل عليه ، وهو في أثناء ذلك يسأله أن يسلكه في علم الطريقة ، فلما ألحّ عليه في بعض الأيام.
قال له : امض فانظر ما قال العلماء في مسألة كذا وكذا.
فذهب ففتح الكتاب الذي فيه المسألة فوجد جميع أوراقه بياضا ليس فيها كتب ، ثم فتح آخر فوجده كذلك ، حتى نظر في كتبه كلها فوجدها صحائف بيضا. فرجع إلى الشيخ وهو مهتال لما رأى ، فأخبره خبره.
فقال : الآن صفا قلبك ، وصح توجهك ، وصدقت في طلبك ، ادخل الخلوة ، فدخل الخلوة فأقام فيها أربعين يوما ، ثم خرج وهو جوهرة مضيئة ، فسأل الشيخ أن يلبسه الخرقة لينتمي إليه؟