وكان من الشيوخ المفيدين المقربين إلى الله ورسوله المنقطعين بالمجاورة بين الحرمين الشريفين الشيخ الصالح الورع المربّي عبد الحميد بن علي الموغاني (١) ، كان من أهل الخير والصلاح وإيصال النفع للناس في التربية العليا ، قد تخلى عن الدنيا وأقبل على الآخرة ، ولزم تلقين القرآن طول النهار في المسجد لا تراه إلا في حلقة بين كبار وصغار وكهول مشايخ ، وانتفع عليه من أولاد المدينة خلق كثير ، لكن مع التجويد وتحرير وتربية لهم وضبط وشد حتى إنه ليضرب ذا الشيبة بيده ويأخذ بلحيته وأذنه ، أقام بمكة هو وأخوه في الله الشيخ الصالح المهذب الشيخ يحيى التونسي ، وكانا قد اصطحبا قديما وتواخيا في الله وصحبا الشيوخ وجالا البلاد على قدم التجرد وزيارة الصالحين ولقاء المشايخ.
واتفق لهما في أيام سياحتهما ومدة تنقلهما في البلاد عجائب وغرائب ، ولقيا من الشيوخ السادة الأعلام جماعة كثيرة منهم الشيخ أبو العباس المرسي (٢) فمن بعده من المشايخ الشاذلية وغيرهم ، وفي أيام إقامتهما بمصر ورد عليهما من العجم الشّيخ العلّامة نادرة زمانه الشيخ نجم الدين الأصبهاني (٣) شيخ مكة المشرفة في وقته فصحباه وخدماه واجتمعا به أيضا عند الشيخ أبي العباس المرسي بثغر الاسكندرية وصحباه معهما إلى مكة المشرفة ، وكان مسيرهم على طريق الصعيد.
وحكى لنا صاحبنا الشيخ يحيى بن موسى القسنطيني عن الشيخ يحيى التونسي قال : لما خرجنا مع الشيخ نجم الدين صحبة القافلة في طريق
__________________
(١) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ١١٢ (٢٣٦٤) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٤٦ / أ، وصوب النسبة إلى : «الموقاني» بالقاف.
(٢) هو : أحمد بن عمر بن محمد الأندلسي المرسي الأنصاري ، أبو العباس. ولد سنة ٦١٦ ه ، صحب أبا الحسن الشاذلي وصحبه ابن عطاء الله ، توفي سنة ٦٨٦ ه وقبره بالإسكندرية. ترجمته في : «طبقات الأولياء» ٤١٨ / ١١٨ ، «جامع كرامات الأولياء» ١ / ٥٢٠.
(٣) هو : نجم الدين عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني ، ولد سنة ٦٤٣ ه ، كان شيخا جليلا ، فاضلا مشهورا ، مقصودا ، منقطعا عن الناس ، توفي سنة ٧٢١ ه. ترجمته في : «العقد الثمين» ٥ / ٢٧١ (١٦٢٦).