أرى فيه إلا خادما مجردا أو فقيرا ترابيّا ، وأمرّ في طريقي فأبصرهم ينهبون الناس ويكسرون الأبواب ويحملون من البيوت الأحمال فلا أقدر على كلام ، وجلّ ما أخذوا أمتعة الحاج وبيوت الخدام ، وكانت قضية قبيحة وفعلة شنيعة لم يظهر لها بركة على من تعاطى منها شيئا عربا أو حضرا ، ولم تبق في أيديهم شهرا حتى محقت ، ولم يسلم من الدخول فيها أحد من الأمراء الذين كانوا في المدينة إلا الأمير الكبير الورع الزاهد زين الدين عطية (١) بن منصور أميرنا اليوم ، متع الله المسلمين ببقاء دولته وأصلح له الرعية وأصلح لهم منه الطوية.
وخرجت مرة من البيت للصلاة فإذا أنا بأمير كبير قد دخل حارتنا ومعه ما ينيف على عشرين رجلا من الأعوان ، ومعه نجّار بيده قدّوم فما شككت أنه ظن أني في الصلاة فأراد أن يخلفني على بيتي أو بيت من يعز علي ، وكان قبل ذلك في نفسه شيء مني فوقفت في وجهه.
وقلت : خير ، ما هذه الهمة وإلى أين هذه العزمة؟
فقال : لي غرض.
فقلت له : اجلس ها هنا لأتحدث معك ؛ والشرّ يبدو لي من وجهه ، فجلس.
فقلت : ما تريد؟
فقال : عزمي الزواج وما وجدت مفرشة أدفعها في الجهاز ، ونحن عازمين على الخروج من المدينة.
فقلت له : عندي ما تريد وهذه ساعة مباركة إذ بدا لك عندي حاجة ، ولم يكن ذلك من خلقي ولكن شرح الله صدري لذلك ، فدخلت البيت وأخرجت له فراش بيت وكانت مفرشة حسنة جدا فأخذها.
وقال : إن قلت لك التي أطلب أحسن من هذه فما صدقت ، ثم انصرفت إلى المسجد فرأيت الشيخ عثمان جالسا في الروضة ليس في الحرم
__________________
(١) هو : عطية بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٦٤ (٢٩٨٨) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٥٠ / ب.