التربية والدراية ، فكان ينكر على الشيخ موسى بعض أحواله التي تخرج عن ميزان الشرع فيقع بينهما عن ذلك التهاجر والشر.
حكى لي الشيخ عثمان أن الأسد عرض له في طريقه ليلة وكان وحده ، قال : فجلست بين يديه فصار ساعة يصيح ويضرب بذنبه وساعة يعلو علي بيديه ، ثم يرجع عني ويكف يديه كأن من غلها ، ولم يزل هذا دأبه معي إلا أن تبلج الصبح فانصرف عني وتركني.
وكانت له كرامات وعجائب ومغربات يكاد يحكي بعضها إذا طابت نفسه وانشرح لجليسه قلبه ، وقد جرى لي معه ما أكد عندي ولايته ، وذلك أن المدينة نهب غالب بيوتها عند خروج آل منصور منها ، وكان الأمير يومئذ طفيل (١) بن منصور رحمهالله ، وكان ذلك في شهر ذي الحجة في سنة خمسين وسبعمائة ، وكنت قد تأخرت عن الحج في تلك السنة ، ولم يكن التأخير عن الحج من عادتي ، بل لي الآن والحمد لله نحو خمس وخمسين حجة ، ولكن كانت الخيرة فيما قدر الله تعالى ، وأسفرت العاقبة عن لطف عظيم شملني وشمل أقاربي وجيراني بل وأهل زقاقي.
وكان مما جرى أن نهب جميع ما للحجاج من ودائع في المدينة ، وحصل لأهلها من العرب إزعاج وإرعاب عظيم ، وتبعهم الصعاليك من أهل المدينة والخيابرة وغيرهم ، فلم يتركوا أثاثا ولا متاعا ، وكان أمرا عظيما لم يجر مثله في زمن من الأزمان التي أدركناها وسمعنا بها ، ومع ذلك فلم يصل أحد إلينا ولا إلى جيراننا ولا لأقاربنا على بعد منازلهم عنا ، وذلك ببركة النبي صلىاللهعليهوسلم وبركة حضوري لأني اجتمعت بالأمير طفيل وكلمته في ذلك.
فقال : قد أجرنا حارتك وجميع أقاربك فطب نفسا فما لأحد إلى ذلك وصول ، جزاه الله خيرا.
وكنت أخرج إلى المسجد في ذلك اليوم للصلاة فأجد المسجد مغلوقا فأدور إلى باب النساء فأستفتح فيفتح لي فأجد المسجد خاليا لا
__________________
(١) هو : الطفيل بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٦٨ (١٨٦٣) ، «الدرر الكامنة» ٢ / ٢٢٣ (٢٠٣٤) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٤١ / ب.