جماز صاحب المدينة وكلمه في شأن زوجته وأولاده وأخذ خطه بأن يعقد لهم مجلس شرعي ، وكان ذلك في أول نهار الأربعاء خامس شهر محرم من السنة المذكورة ، فمرض في أواخر ذلك النهار ولم يزل مريضا إلى أن توفي بعد العصر يوم الأحد سادس عشر المحرم ، ودفن بعد المغرب بالبقيع قريبا من مالك بن أنس مما يلي الطريق ، رحمهالله.
ولما ذكر الفقيه خليل (١) استطرادا فلا بد من ذكره استبدادا فقد كان من أئمة الدين والمتسمين باليقين ، كانت مكة المشرفة بلده ودار إقامته ، ولكن قل أن تجيء قافلة من مكة للزيارة وما هو معها شوقا لهذا النبي الكريم صلىاللهعليهوسلم ، وكان قد أقام وجاور وقرأ على والدي العربية وكان ملازما لدرسه وانتفع وحصّل.
وكان يقول لي : ما عند الشيخ من كتب العربية؟.
فأقول له : ما علمت عنده شيئا سوى شيء من «شرح الجمل» لابن عصفور.
فيقول لي : ما هذا من جوانح ابن عصفور ، هذا الذكر العظيم والإلقاء والتفهم لا يكون إلا عن إلهام أو كثرة اشتغال ، وكثرة كتب يلتقط محاسنها ويرتب قوانينها.
فأقول له : ما عنده غير ما ذكرت لك.
كان حال الفقيه خليل معلوما مشهورا من البر والصدقة ومواساة الفقراء وتحمل الدّين العظيم لأجلهم ، ينتهي دينه في بعض السنين إلى قريب من مائة ألف درهم ، يقرضهم ثم يقضي الله تعالى على أيسر ما يكون ، كان له من الدين فوق ما يصفه الواصفون ، ومن العلم من مثل ذلك ، ومن الورع والتمسك بالسنّة فوق ذلك ، قل عن البحر فالبحر يوقف دونه ، كان لي منه النصيب الوافر في دعائه ومكاتبته ونشر ذكري عند أهل الخير جزاه الله خيرا ، وكان عنده من الوسوسة في طهارته ما اشتهر مثلا في الأقطار ، توفي الفقيه خليل رحمهالله في سنة ستين وسبعمائة ، وفيها توفي القاضي شهاب
__________________
(١) تقدمت ترجمته.