بالشرع فأقاما معه وهما صغيران فتعب وتعبا ، فيسر الله تعالى من أخذهم منه خلسة ، وحملهم إلى مكة عند أمهم وخالهم القاضي شهاب الدين فربوهما أحسن تربية فجاء منهما ما تقدم ذكره. ولما علم الفقيه خليل ـ رحمهالله ـ أن في فراقها له شبهة تورّع عن زواجها وتركها ، فلم يزل كذلك حتى توفي شهاب الدين النويري بالمدينة ، فحينئذ تزوجها وماتت عنده رحم الله الجميع. وكان الشيخ شهاب الدين من بيت الكرامات والمكاشفات لهم حكايات ومقامات مشيدات.
جلست إليه يوما بعد أن صليت ركعتين وكان قد أظلّنا مجيء الحاج ، فكانت صلاتي كلها وسوسة بما يجئ به الحاج وما يكون من وظائفي وما يجئ منها وغير ذلك.
فقال لي عقيب فراغي : يا فقيه ، ما أقلّ أدب العبد مع الله تعالى ، خلقه وأوجده وتكفل برزقه وجعل الرزق يجري مع الحاجة لا يتعداها ، ولم يرد منه إلا الإخلاص والتوكل والعبادة وقد جرب العبد وعده تعالى فوجده صحيحا لا يختل معه ، وزرقه يأتيه كل حين وكل يوم وكل ساعة حسب ما يقدره الله تعالى ، ثم إنه سبحانه أمر بصلاة وزكاة وصيام ووقت له من ذلك وقتا وأمره بأن لا يتعداه بتقديم ولا تأخير ففعل العبد ذلك ، وقدر له رزقا ووقته عنده بوقت معلوم ، ثم إن العبد يسيء إلى ربّه بأن يتهمه فيما وعده به.
فيقول : يا ترى يجيئني شيء من هذه السنة أم لا؟ وإن جاء فهل يجيء كاملا أو ينقطع بعضه؟ ومن هذه الأشياء التي هي إلى الشرك أقرب ، أليس هذا من قلة الأدب؟
فعلمت أنه إنما أرادني بهذا الكلام فاستغفرت الله العظيم ، ورجعت فنلت بذلك خيرا كثيرا ، وله كرامات لا يسع ذكرها ها هنا.
ولما كان في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة قدمت قافلة مكة ومعهم القاضي شهاب الدين ومطلقته وولده ، فطلع بها شهاب الدين إلى الأمير ودي (١) بن
__________________
(١) هو : الشريف ودي بن جماز بن شيحة الحسيني ، توفي في الحبس سنة ٧٢٩ ه. «الدرر الكامنة» ٤ / ٤٠٦ (١١٢٩).