وقضاتها وخطباءها وعلماءها الفقيه الإمام العالم القاضي كمال الدين أبو الفضل (١) الشافعي ، والقاضي نور الدين (٢) المالكي فتقدما على أقرانهما ورأسا ، فولي القاضي كمال الدين قضاء مكة وخطابة الحرم ونظره ، وولي القاضي نور الدين مقام الفقيه خليل بعد ابن أخيه عمر رحمهالله في إمامة المقام وفي إمامة الحج.
وكان من حال والدهما أنه صحب زوجته إلى أن توفي والدها القاضي نجم الدين سنة ثلاثين وسبعمائة عن اثنتين وسبعين سنة رحمهالله ، وهو معهم على ما يحب من العزة والإكرام وترك المساءلة عما يجب عليه من النفقة والإدام والكسوة وما جرت به العادة من الأزواج ، فبعد موت والدها لم ير منهم ذلك الوجه الذي كان يعهده ، فجاء مع زوجته المدينة زائرا وأراد أن يقيم بها ليذللها ويهذّبها بالغربة والبعد عن أهلها.
فقال له أهلها : لا يمكن ذلك وشددوا في رجوعها معهم.
فقال على طريق التغليظ عليهم والتشديد وإقامة العذر : أنا قد حلفت بالطلاق الثلاث أن لا يكون لها معكم سفر في هذا الوقت. ولم تكن له نية وإنما أراد التهويل عليهم ، فعزموا عليه والتزموا بالرجوع إلى ما كان عليه.
فسافر معهم وقرّروا عليه يمينه وأخذوه بظاهر لفظه فطلقوها منه ، فاشتد عليه الأمر وعظم عليه ما وقع منه وفيه ولم يجد من يساعده على ما نواه إذ أسرته البينة.
فلما رأى أنها بلية لا يمكن زوالها رجع إلى المدينة المشرفة وأقام بها وكان يصلي إلى جنبي الصّلوات ، فأرى منه من التوجع والالتهاب والشوق ما لم أره من أحد فكنت أعذره من الباطن ، وأهون عليه الأمر في الظاهر ، فيقول : وويل للشجيّ من الخليّ.
ثم إنه لم يجد ما يغيظهم به إلا أخذ أولاده منهم ، فأخذهم منهم
__________________
(١) هو : محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري العقيلي. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤١٨ (٣٦١٠) ، «العقد الثمين» ١ / ٣٠٠ (٢٩).
(٢) هو : علي بن أحمد بن عبد العزيز النويري العقيلي. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٧٣ (٣٠١٦) ، «العقد الثمين» ٦ / ١٣٢ (٢٠٣٠).