والمكاشفات الشيخ الصالح العالم العامل شهاب الدين أحمد (١) بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن النويري العقيلي نسبة إلى عقيل بن أبي طالب رضياللهعنه ، كان له تردد كثير إلى الحجاز يتكرر كل سنة مع الرجبية إلى مكة المشرفة في البحر تارة وفي البر أخرى ، فلما أقمت بمكة عام ثمانية عشر وسبعمائة صادفت مجيئه إلى مكة وأنا بها ، فصحبته فوجدته من رجال الآخرة ومن بيت العلم والعمل والمكاشفة.
فقال لي : أريد المدينة في هذه السنة وقد عزمت على طريق المشيان فاعمل على الصحبة.
قلت له : يا سيدي أنا لي عن أهلي مدة طويلة أكسبتني قوة شوق ووجد ، وإن سافرت معك في طريق المشيان تعبت معك ، لأني أجدّ في المشي وأنت لا تقدر على ذلك ، فعذرني وتأخر.
فلما جاء الموسم جاءني ودخل منزلي فاستبشرت ببركة دخوله وحصل لي به أنس كثير ، ووعدني بخير كثير ثم تكرر إلى مكة بعد ذلك سنين إلى عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة.
ثم بلغني أنه لما جاء مع الرجبية تزوج بنت القاضي نجم الدين الطبري قاضي مكة المشرفة وإمام أئمتها وكبيرها أبي اليمن محمد بن محمد الطبري الشافعي ، وكان غرضهم من تزويجه أن تحل للشيخ خليل (٢) المالكي إمام مقام المالكي لأنه كان حنث فيها ، ولم يطلع على ذلك ولا ذكروا ذلك له لما كانوا عليه من الورع والخير والدين ، فلما حصل معهم قاموا بحقه وخدموه وسعوا في رضاه من غير أن يشعروه أن لهم غرضا غير بركته وخدمته.
فلما رأى ذلك منهم اغتبط بهم وأنس بينهم ووجد منهم الشفقة العظيمة ، فأقام بمكة وترك الرجوع إلى بلده ، فرزق منها أئمة مكة اليوم
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ١ / ١١٢ (٢٠١) ، «العقد الثمين» ٣ / ٧٨ (٥٨٣) ، «الدرر الكامنة» ١ / ١٧٣ (٤٤٧).
(٢) هو : خليل بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر القسطلاني المكي. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٣٢١ (١١٤٣) ، «العقد الثمين» ٤ / ٣٢٤ (١١٤١).