قلت : والله لأرقبنّه حتى أعلم مكانه.
قال : فلما فرغ ما بيدي ارتقبت الوقت الذي يجيء فيه ، فإذا هو قد جاء على العادة فحققت النظر حتى عرفت فإذا هو جاري الحطّاب.
فقلت : هذا هو الحق ، لأنه يعلم من حالي ما لا يعلمه غيره ، ولأن الباب بالباب.
قال : فمالت نفسي إليه ، والقلب يميل إلى من أحسن إليه ، فوانسته فانعطف علي وإن كان كره ظهور إحسانه إلي ، ثم إني تخيلت منه أنه ينفق من الغيب ، أو معه علم من الصنعة ، لأنّ من ظفر بإحدى الخصلتين زهد في الدنيا وطلبها بتعب النفس ليكون ذلك من الشكر لله تعالى على أن ملكه ما لم يملكه غيره.
قال : فأنست به حتى سألته عن سبب تكلفه نقل الحطب مع السعة ، وقلت له : هذا غير نظر منك لك!
فقال : أردت أشياء يا مسكين منها التستر عن الخلق ، ومنها تذليل النفس وتهذيبها ، فإن النفس إذا ملكت طاشت وطغت.
ولم أزل به حتى أخبرني أنه علم ورثه وانفرد به ، فسألته أن يعلمنيه لأذكره به وأستعين به على حالي.
فقال لي : إن صحبتني إلى بلادي علمتك وإلا هنا فلا ، فأقام إلى الموسم ثم سافر ولم يقطع الله بي.
قلت : وما مات الشيخ حتى تزوج زوجة صالحة كان يقول : إنه في بركتها ، واتسع حاله واشتهر ذكره ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وزوجته ميمونة على قدم في العبادة والخير.
توفي الشيخ ـ رحمهالله ـ عقيب الحج ، وكان قد حج ماشيا في طريق المشيان ، فلما كمل حجه اجتمع بي في منى ، وقال لي : قد عجزت عن الرجوع ماشيا فاكتريت له ، وكان في صحبتنا إلى المدينة فلم يقم بعد الموسم إلا قليلا ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى أول سنة ست وخمسين وسبعمائة.
وكان لي من الإخوان في الله العلماء الربانيين أصحاب الأحوال