وعلله الأبذي بأن (لا) تدخل لتأكيد المنفي وليس في مفهوم الكلام الأول ما ينفي الفعل عن الثاني ، فإن أريد بذلك المعنى جيء بغير فيقال : غير زيد وغير عاقل بخلاف الأمثلة الأخيرة فإن مفهوم الخطاب يقضي من قولك : جاء رجل ونحوه نفي المرأة ونحوها ، فدخلت (لا) للتصريح بما اقتضاه المفهوم ، وللسبكي في هذه المسألة مؤلّف مستقل يشتمل على نفائس لخصتها في حاشية «المغني».
(ومنع قوم العطف بها على معمول ماض) فلم يجيزوا (قام زيد لا عمرو) مع إجازتهم ذلك في المضارع ، قالوا : لأنها تكون نافية للماضي ونفي الماضي لا يجوز ، وما جاء منه حفظ ولم يقس عليه ، وقيل : لأن العامل مقدر بعد العاطف ، ولا يقال : لا قام عمرو إلا على الدعاء ، قال ابن هشام : وهو مردود فإنه لو توقفت صحة العطف على تقدير العامل بعد الحرف لامتنع ليس زيد قائما ولا قاعدا ، ولا يعطف بها جملة لا محل لها في الأصح ، وقد يحذف متبوعها نحو : (أعطيتك لا لتظلم) ، أي : لتعدل لا لتظلم.
لكن
(لكن للاستدراك فإن وليها جملة فغير عاطفة) بل حرف ابتداء سواء كانت بالواو نحو : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف : ٧٦] ، أو بدونها كقوله :
١٦٤٢ ـ إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره |
|
لكن وقائعه في الحرب تنتظر |
(وقال ابن أبي الربيع) هي عاطفة جملة على جملة (ما لم تقترن بالواو) أو وليها (مفرد فشرطها تقدم نفي أو نهي) نحو : ما قام زيد لكن عمرو ، لا تضرب زيدا لكن عمرا ، (قال الكوفية : أو إيجاب) كبل ؛ لأنها مثلها في المعنى نحو : قام زيد لكن عمرو ، والبصريون منعوه ؛ لأنه لم يسمع فيتعين كونها حرف ابتداء بعده الجملة فيقال : لكن عمرو لم يقم.
(و) الثاني : (ألا تقترن بالواو) فإن اقترنت به فحرف ابتداء ؛ لأن العاطف لا يدخل على عاطف نحو : ما قام زيد ولكن عمرو ، (وقيل : لا تكون) عاطفة (معه) أي : مع المفرد
__________________
١٦٤٢ ـ البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٠٦ ، والجنى الداني ص ٥٨٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٣ ، واللمع ص ١٨٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٩٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٧٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٨٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٨.