الأصل استعمل من أول وضعه باللام ، وباب اللام أن يدخل على النكرة ، وكذا قال الزمخشري : سبب بنائه وقوعه في أول أحواله بالألف واللام ؛ لأن حق الاسم في أول أحواله التجرد منها ، ثم يعرض تعريفه فيلحقه ، فلما وقع الآن في أول أحواله بالألف واللام خالف الأسماء وأشبه الحروف ، ورده ابن مالك بلزوم بناء الجماء الغفير واللات ونحوهما مما وقع في أول أحواله بالألف واللام ، وبأنه لو كانت مخالفة الاسم لسائر الأسماء موجبة لشبه الحرف واستحقاق البناء لوجب بناء كل اسم خالف الأسماء بوزن أو غيره ، وهو باطل بإجماع ، وقال ابن مالك : بني لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد ؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر بخلاف حين ووقت وزمان ومدة.
قال أبو حيان : وهو مردود بما رد به هو على الزمخشري ، وقال الفراء : إنما بني ؛ لأنه نقل من فعل ماض ، وهو (آن) معنى حان فبقي على بنائه استصحابا على حد : «أنهاكم عن قيل وقال» (١) ، ورد بأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه (أل) كما لا تدخل على قيل وقال ، ولجاز فيه الإعراب كما يجوز في قيل وقال ، وذهب بعضهم إلى أنه معرب وفتحته إعراب على الظرفية واستدل له بقوله :
٨٠٢ ـ كأنّهما ملآن لم يتغّيرا
بكسر النون ، أي : من الآن فحذف النون ؛ لالتقاء الساكنين ، وجر فدل على أنه معرب وضعفه ابن مالك باحتمال أن تكون الكسرة كسرة بناء ، ويكون في بناء الآن لغتان الفتح والكسر ، كما في شتان إلا أن الفتح أكثر وأشهر.
والمختار عندي القول بإعرابه ؛ لأنه لم يثبت لبنائه علة معتبرة ، فهو منصوب على الظرفية ، وإن دخلته (من) جر ، وخروجه عن الظرفية غير ثابت ولا يصلح الاستدلال له
__________________
٨٠٢ ـ البيت من الطويل ، وهو لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٩٥٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٩ ، والمنصف ١ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٣٣ ، والخصائص ١ / ٣١٠ ، ورصف المباني ص ٣٢٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٤٣٩ ، ٤٤٠ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٣٦٥.
(١) أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب قول الله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (١٤٧٧) ، ومسلم ، كتاب الأقضية باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة (٥٩٣).