أين قبره؟ فقالوا : ما يعلم أحد مكان قبره إلّا عجوز لبني إسرائيل ، فأرسل إليها موسى ، فقال : دلّينا على قبر يوسف ، قالت : لا والله حتّى تعطيني حكمي ، قال : وما حكمك؟ قالت : أن أكون معك في الجنّة ؛ فكأنّه كره ذلك ، فقيل له : أعطها حكمها ، فأعطاها حكمها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء ، فقالت لهم : نضّبوا عنها الماء ، ففعلوا ، قالت : احفروا ، فحفروا ، فاستخرجوا عظام يوسف ؛ فلما أن أقلّوه من الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار».
وأخرج ابن عبد الحكم ، عن سماك بن حرب ، مرفوعا نحوه ، وفيه : «فقالت : إنّي أسأل أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنّة ، ويردّ عليّ بصري وشبابي ، حتّى أكون شابّة كما كنت ، قال : فلك ذلك».
وأخرج من طريق الكلبيّ عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس نحوه ، وفيه : فقالت عجوز يقال لها سارح ابنة آشر بن يعقوب : أنا رأيت عمّي حين دفن ، فما تجعل لي أن دللتك عليه؟ فقال : حكمك ، قالت : أكون معك حيث كنت في الجنّة.
وأخرج عن ابن لهيعة عمّن حدّثه ، قال : قبر يوسف بمصر ، فأقام لها نحوا من ثلاثمائة سنة ، ثم حمل إلى بيت المقدس.
رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد : قالا : ثمّ أغرق الله فرعون وجنوده ، وغرق معه من أشراف أهل مصر وأكابرهم ووجوههم أكثر من ألفي ألف ، فبقيت مصر من بعد غرقهم ؛ ليس فيها من أشراف أهلها أحد ، ولم يبق بها إلّا العبيد والأجراء والنساء ، فأعظم أشراف من بمصر من النساء أن يولّين منهنّ أحدا ، وأجمع رأيهنّ على أن يولّين امرأة منهنّ يقال لها دلوكة بنت زباء ، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب ، وكانت في شرف منهنّ وموضع ، وهي يومئذ بنت مائة سنة وستّين سنة ، فملّكوها ، فخافت أن يتناولها ملوك الأرض فجمعت نساء الأشراف ، فقالت لهنّ : إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد ، ولا يمدّ عينه إليها ، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا ، وذهب السحرة الذين كنّا نقوى بهم ، وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا ، فأضع عليه المحارس من كلّ ناحية ، فإنّا لا نأمن أن يطمع فيها الناس ؛ فبنت جدارا (١) أحاطت به على جميع أرض مصر كلّها المزارع والمدائن والقرى ، وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء ، وأقامت القناطر والتّرع ، وجعلت فيه محارس ومسالح على كلّ ثلاثة أميال
__________________
(١) في مروج الذهب ١ / ٣٩٨ : وأثر هذا الجدار باق إلى هذا الوقت ، وهو سنة ٣٣٢ ه ، ويعرف بحائط العجوز.