على عهد ملوكها ، أنّهم كانوا يقرّون القرى في أيدي أهلها ، كلّ قرية بكراء معلوم ، لا ينقض عليهم إلّا في كلّ أربع سنين من أجل الظمأ وتنقّل اليسار ؛ فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك ، وعدّل تعديلا جديدا ، فيرفق بمن استحقّ الرّفق ، ويزاد على من يحتمل الزيادة ، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشقّ عليهم ؛ فإذا جبي الخراج وجمع ، كان للملك من ذلك الرّبع خالصا لنفسه يصنع فيه ما يريد ، والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوّه ، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما يحتاج إليها من جسورها وحفر خلجها ، وبناء قناطرها ؛ والقوّة للمزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم ، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كلّ قرية من خراجها فيدفن ذلك فيها لنائبة تنزل ، أو جائحة بأهل القرية ؛ فكانوا على ذلك. وهذا الربع الذي يدفن في كلّ قرية من خراجها ، هو كنوز فرعون الّتي يتحدّث بها أنّها ستظهر ، فيطلبها الذين يتّبعون الكنوز.
حدّثنا أبو الأسود نصر بن عبد الجبار ، حدّثنا ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، قال : خرج وردان من عند مسلمة بن مخلد ـ وهو أمير على مصر ـ فمرّ على عبد الله بن عمرو مستعجلا ، فناداه : أين تريد؟ قال : أرسلني الأمير مسلمة أن آتي منفا ، فأحضر له من كنز فرعون ، قال : فارجع إليه ، وأقرئه منّي السلام وقل له : إنّ كنز فرعون ليس لك ولا لأصحابك ، إنّما هو للحبشة ، إنّهم يأتون في سفنهم يريدون الفسطاط ، فيسيرون حتّى ينزلوا منفا ، فيظهر لهم كنز فرعون ، فيأخذون ما يشاءون ، فيقولون : ما نبتغي غنيمة أفضل من هذه ، فيرجعون ، ويخرج المسلمون في آثارهم فيقتتلون ، فيهزم الجيش ، فيقتلهم المسلمون ويأسرونهم ؛ حتّى إن الحبشيّ ليباع بالكساء.
قال أهل التاريخ : كان فرعون إذا كمل التحضير في كلّ سنة ينفذ مع قائدين من قوّاده اردبّ قمح ، فيذهب أحدهما إلى أعلى مصر ، والآخر إلى أسفلها ، فيتأمّل القائد أرض كلّ قرية ، فإن وجد موضعا بائرا عطلا قد أغفل بذره ، كتب إلى فرعون بذلك ، وأعلمه باسم العامل على تلك الجهة ، فإذا بلغ فرعون ذلك ، أمر بضرب عنق ذلك العامل ، وأخذ ماله ، فربّما عاد القائدان ولم يجدا موضعا لبذر الإردبّ لتكامل العمارة واستظهار الزرع.
وأخرج الحاكم في المستدرك ، وصحّحه عن أبي موسى الأشعريّ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : «إنّ موسى حين أراد أن يسير ببني إسرائيل ، ضلّ عنه الطريق ، فقال لبني إسرائيل : ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل : إنّ يوسف حين حضره الموت ، أخذ علينا موثقا من الله ألّا نخرج من مصر حتّى ننقل عظامه معنا ، فقال موسى : أيّكم يدري