رجاء أن تفيق فترفع إليّ ذلك ؛ وقد علمت أنّه لم يمنعك من ذلك إلّا عمّالك عمّال السوء ، وما توالس (١) عليه وتلفّف ؛ اتّخذوك كهفا. وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عمّا أسألك عنه ؛ فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحقّ وتعطاه ؛ فإن النّهز (٢) يخرج الدّرّ (٣) ، والحقّ أبلج ، ودعني وما عنه تتلجلج ، فإنه قد برح الخفاء. والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص ؛ سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ؛ أمّا بعد ، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الّذي استبطأني فيه من الخراج ، والذي ذكر فيه من عمل الفراعنة قبل ، وإعجابه من خراجها على أيديهم ، ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام. ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر ، والأرض أعمر ، لأنّهم كانوا على كفرهم وعتوّهم أرغب في عمارة أرضهم منّا منذ كان الإسلام. وذكرت بأن النّهز يخرج الدرّ ، فحلبتها حلبا قطع ذلك درّها. وأكثرت في كتابك ، وأنّبت ، وعرّضت وثرّبت (٤) ؛ وعلمت أنّ ذلك عن شيء تخفيه على غير خبر ؛ فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات ؛ ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق. وقد عملنا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولمن بعده ؛ فكنّا بحمد الله مؤدّين لأماناتنا ، حافظين لما عظّم الله من حقّ أئمتنا ، نرى غير ذلك قبيحا ، والعمل به سيّئا ، فيعرف ذلك لنا ويصدق فيه قيلنا. معاذ الله من تلك الطعم ، ومن شرّ الشّيم ، والاجتراء على كلّ مأثم ؛ فاقبض عملك ؛ فإنّ الله قد نزّهني عن تلك الطّعم الدنيّة والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا ولم تكرم فيه أخا. والله يا بن الخطاب ؛ لأنا حين يراد ذلك منّي أشدّ لنفسي غضبا ، ولها إنزاها وإكراما. وما علمت من عمل أرى عليّ فيه متعلّقا ؛ ولكنّي حفظت ما لم تحفظ ؛ ولو كنت من يهود يثرب ما زدت ـ يغفر الله لك ولنا ـ وسكت عن أشياء كنت بها عالما ؛ وكان اللسان بها منّي ذلولا ؛ ولكنّ الله عظّم من حقّك ما لا يجهل. والسلام.
فكتب إليه عمر بن الخطاب :
__________________
(١) توالس : تخادع ولا تصرّح.
(٢) النهز : الضرب.
(٣) الدرّ : اللبن.
(٤) التثريب : اللوم والتأنيب.