وكانت قسمتهم على قراريط : الدينار أربعة وعشرين قيراطا ، يقسمون الأرض على ذلك. وكذلك روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا» ، وجعل عليهم لكلّ فدّان نصف اردبّ وويبتين من شعير إلّا القرط (١) ، فلم يكن عليه ضريبة ، والويبة يومئذ ستّة أمداد.
وحدّثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح حدّثنا الليث بن سعد ، قال : لما ولي ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدّة أهلها ، وينظر في تعديل الخراج عليهم ، فقام في ذلك ستّة أشهر بالصّعيد ، حتّى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكتّاب يكفونه ذلك بجدّ وتشمير ، وثلاثة أشهر بأسفل الأرض ، فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية ، فلم يحص فيها في أصغر منها أقلّ من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية.
حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، أنّ عمرا جبى مصر اثني عشر ألف ألف ، وجباها المقوقس قبله سنة عشرين ألف ألف ، فعند ذلك كتب إليه عمر بن الخطاب :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص. سلام عليك ؛ فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أمّا بعد ؛ فإنّي فكّرت في أمرك والذي أنت عليه ، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة ، قد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوّة في برّ وبحر ، وأنّها قد عالجتها الفراعنة ، وعملوا فيها عملا محكما ، مع شدّة عتوّهم وكفرهم ، فعجبت من ذلك ؛ وأعجب مما عجبت ، أنّها لا تؤدّي نصف ما كانت تؤدّيه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدوب ؛ ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج ، وظننت أنّ ذلك سيأتينا على غير نزر ، ورجوت أن تفيق فترفع إليّ ذلك ؛ فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي ؛ ولست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك. ولست أدري ما الذي أنفرك من كتابي وقبّضك! فلئن كنت مجزئا كافيا صحيحا ، إنّ البراءة لنافعة ، ولئن كنت مضيعا نطفا (٢) إنّ الأمر لعلى غير ما تحدّث به نفسك. وقد تركت أن أبتغي ذلك منك في العام الماضي في
__________________
(١) القرط : نبات يشبه الفصفصة.
(٢) النطف : المتهم بريبة أو فجور أو عيب.