من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص ؛ سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ؛ أمّا بعد ، فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج وكتابك إليّ ببنيّات الطّرق (١) ؛ وقد علمت أنّي لست أرضى منك إلا بالحقّ البيّن ؛ ولم أقدمك إلى مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك ؛ ولكنّي وجّهتك لما رجوت من توفيرك الخراج ، وحسن سياستك ؛ فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج ، فإنّما هو فيء المسلمين ، وعندي من قد تعلم قوم محصورون. والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لعمر بن الخطاب من عمرو بن العاص ، سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو ؛ أمّا بعد ، فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ، ويزعم أنّي أعند عن الحقّ ، وأنكب عن الطريق ؛ وإنّي والله ما أرغب عن صالح ما تعلم ؛ ولكنّ أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلّتهم ؛ فنظرت للمسلمين ؛ فكان الرّفق بهم خيرا من أن يخرق بهم ، فنصير إلى ما لا غنى بهم عنه. والسلام.
فلمّا استبطأ عمر بن الخطاب رضياللهعنه الخراج ، كتب إليه : أن ابعث إليّ رجلا من أهل مصر ؛ فبعث إليه رجلا قديما من القبط ، فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، كان لا يؤخذ منها شيء إلّا بعد عمارتها ، وعاملك لا ينظر إلى العمارة ، وإنّما يأخذ ما ظهر له ؛ كأنّه لا يريدها إلّا لعام واحد.
فعرف عمر ما قال : وقبل من عمرو ما كان يعتذر به.
قال ابن عبد الحكم : حدّثنا هشام بن إسحاق العامريّ قال : كتب عمر بن الخطاب رضياللهعنه إلى عمرو بن العاص ، أن يسأل المقوقس عن مصر : من أين تأتي عمارتها وخرابها؟ فسأله عمرو ، فقال له المقوقس : تأتي عمارتها وخرابها من خمسة وجوه : أن يستخرج الخراج في إبّان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم ، ويرفع خراجها في إبّان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومها ، وتحفر في كلّ سنة خلجها ، وتسدّ ترعها وجسورها ، ولا يقبل محل أهلها ـ يريد البغي ـ فإذا فعل هذا فيها عمرت ، وإن عمل فيها بخلافه خربت.
__________________
(١) بنيّات الطرق : صغارها المتفرّعة عن كبارها.