نقل وحمل المؤن والتموينات المخزّنة فى القلاع التى على طريق الحج ، لتكون بمثابة التموينات اللازمة لرحلة العودة. وينتبه البدو إلى عدم زيادة حمولة الجمل الواحد ، الأمر الذى يستلزم أيضا زيادة عدد الإبل. فى عام ١٨١٤ م ، على الرغم من أن القافلة لم تكن تضم أكثر من أربعة آلاف أو خمسة آلاف شخص ، بما فى ذلك الجنود والخدم ، إلا أنها كانت تضم خمسة عشر ألف جمل (*).
القافلة السورية منظمة تنظيما جيدا ، على الرغم من ـ كما هو الحال فى شئون الحكم الشرقى ـ وجود كثير من الإساءات والاستثناءات. يقوم باشا دمشق أو أحد كبار ضباطه بمرافقة القافلة وهو الذى يعطى إشارة التخييم والبدء عن طريق طلقة نارية يطلقها من بندقيته. أثناء السير تتصدر القافلة قوة من الخيالة تمشى فى المقدمة ، وقوة أخرى تسير فى مؤخرة القافلة ، لالتقاط أولئك الذين يضلون الطريق ، ويجرى تمييز الحجاج بعضهم عن بعض ، عن طريق تجمع كل جماعة بحيث لا يفارقون بعضهم بعضا ، وكل جماعة من هذه الجماعات تعرف معرفة جيدة مكانها الثابت الذى لا يتغير فى القافلة ، ويتحدد ذلك المكان فى ضوء الموقع الجغرافى الذى تجىء منه هذه
__________________
(*) يقول الفاسى إن أم الخليفة المعتصم بالله ، آخر الخلفاء العباسيين ، عند ما قامت بأداء فريضة الحج فى عام ٦٣١ ه كانت قافلتها تضم مائة وعشرين جملا ، وعند ما قام سليمان بن عبد الملك بأداء فريضة الحج فى عام ٩٧ ه ، استخدم تسعمائة جمل لنقل الملابس فقط. وتجدر الملاحظة هنا أن أحدا من خلفاء العثمانيين فى القسطنطينية لم يؤد فريضة الحج بشخصه. وقد أنفق الخليفة المهدى أبو عبد الله محمد ، فى رحلة حجه فى عام ١٦٠ ه ثلاثين مليون درهم. كان الرجل يحمل معه عددا هائلا من الألبسة لتوزيعها على سبيل الهدايا ، كما بنى الخليفة المهدى أيضا منازل فاخرة فى كل محطة من المحطات من بغداد إلى مكة ، وأمر بتأثيثها تأثيثا جيدا ، كما أمر الرجل أيضا بإقامة العلامات الإرشادية ، التى توضح المسافات على طول الطريق. وكان أول خليفة يحمل معه الثلج لتبريد الشربات على الطريق ، وقد حذا حذوه كثير من الخلفاء الذين جاءوا بعده. أما هارون الرشيد الذى أدى فريضة الحج تسع مرات ، فقد أنفق فى واحدة منها مبلغ مليون وخمسين ألف دينار على شكل هدايا للمكيين والفقراء من الحجاج. والمملوك نصير الدين أبو المعالى ، سلطان مصر ، أخذ معه وهو يؤدى فريضة الحج فى عام ٧١٩ ه ، خمسمائة جمل لنقل السكر والحلوى فقط ، ومائتين وثمانين جملا لنقل الرمان ، واللوز ، والفواكه الأخرى ، وفى حملة حفظ الطعام كان لدى نصير الدين أبو المعالى ألف إوزّة وثلاثة آلاف دجاجة. (راجع المقريزى «من حج من الخلفاء» )