نزلوا من فوق الجبل قبل أن ينتهى الخطيب من خطبته. ومع ذلك ، ينبغى أن نلاحظ هنا أن الجموع التى تجمعت فوق الجبل قبل أن ينتهى الخطيب من خطبته ، كانت فى معظمها من الطبقات الدنيا ، أما الحجاج أصحاب المقامات العالية فقد كانوا راكبين إبلهم أو خيولهم فى السهل.
أخيرا مالت الشمس إلى الغروب خلف الجبال الغربية ، وعندها أغلق القاضى كتابه ، واستمع إلى التلبية الأخيرة ، وتدافعت الحشود نازلة من الجبل ، ومغادرة عرفات. والشرع ينصح بالتعجيل فى النزول ، ولذلك يحول الكثيرون النزول من عرفة إلى سباق ، وهم يطلقون على هذا السباق اسم «الدّعدفة من عرفات» (وهو ما يطلق عليه حاليا النفرة من عرفات). فى الأزمان الماضية وعند ما كانت القافلتان المصرية والسورية متوازنتان تقريبا ، كانت تقع حوادث دامية كل عام بين القافلتين ، عند ما تحاول كل منهما سباق الأخرى ، لتضع محملها قبل محمل القافلة الأخرى ، الشىء نفسه كان يحدث عند ما كان المحملان يتقدمان صوب الحلبة مع بداية الخطبة ؛ الأمر الذى أدى إلى وفاة مائتى إنسان فى زعم ذلك الذى يظنون أنه تشريف خاص بالقوافل سلطة محمد على باشا هى السائدة فى الوقت الراهن ، ولذلك يكشف الحجاج السوريون عن تواضع كبير فى هذا الشأن.
هذه هى القوافل الموحدة بل والحجاج جميعهم يتحركون إلى الأمام عبر السهل ؛ بعد أن طويت الخيام استعدادا للنفرة. بدأ الحجاج يمرون على العلمين اللذين يتعين عليهم المرور عبرهما أثناء العودة ، وحل الليل قبل أن يدخل الحجاج المنحدر الذى يسمونه المأزومين. أضيئت شعلات لا تعد ولا تحصى ، وكانت هناك أربع وعشرون شعلة تتقدم كل باشا ، وكان شرر النار يتطاير من تلك الشعلات عبر السهل. كانت دانات المدفعية مستمرة وأصواتها تدوى فى كل مكان ، وراح الجنود يطلقون نيران بنادقهم ، وكانت الفرقة الموسيقية العسكرية تعزف فى مقدمة الموكب ، وكانت صواريخ الألعاب النارية تطلق بواسطة ضباط الباشا ، فضلا عن الصواريخ والألعاب النارية التى كان يطلقها بعض الحجاج ، فى حين كان الحج يسير بسرعة عالية وفى غير نظام ،