الجمل يكون غير مريح ، فذلك يضطر التركى إلى النزول عن الجمل. والخطيب يقرأ خطبته من كتاب مكتوب باللغة العربية ، يمسكه بين يديه ، وبعد مضى ساعة يتوقف الخطيب خمس دقائق ويرفع ذراعيه يطلب الرحمة والبركة من العلى (القدير) ؛ فى حين تروح الجموع المحيطة به ، ومن أمامه تلوح بأطراف ملابس الإحرام فوق الرءوس ، ويزلزلون الهواء وهم يصيحون قائلين : «لبيك اللهم لبيك» ، أثناء هذا التلويح بأطراف ملابس الإحرام ، يبدو جانب الجبل ، المكتظ بالناس الذين يرتدون ملابس الإحرام البيضاء ، كأنه شلال من شلالات المياه ، فى حين تبدو المظلات الخضراء التى يرفعها راكبوا الإبل فوق رءوسهم ، كما لو كانت سهلا أخضر.
طوال الخطبة التى دامت ما يقرب من ثلاث ساعات كان الحجاج يشاهدون القاضى وهو يجفف أو يمسح دموعه دوما بمنديل ؛ لأن الشرع ينص على أن يجهش الخطيب خوفا من الله وطمعا فى رحمته ، ويضيف أنه كلما اغرورقت عيناه بالدموع وسالت على خديه فتلك إشارة إلى رحمة الله به ، وإرهاص بقبول دعائه. كان الحجاج الذين يحيطون بى ويقفون بالقرب منى ، على صخور الجرانيت الكبيرة التى تغطى جوانب جبل عرفات ، يبدون لى كأنهم واقعون تحت تأثيرات أمور متباينة. البعض منهم ، ومعظمهم من الأجانب ، كانوا يصيحون ويبكون بصوت عال ، وهم يضربون صدورهم بأيديهم ويعترفون بالخطأ أمام الله ، آخرون (وهؤلاء أقل عددا من السابقين) كانوا يقفون فى صمت تأملى عميق ، وتعبد ، وقد اغرورقت أعينهم بالدموع. فى ذات الوقت كان الكثيرون من مواطنى الحجاز ، هم وكثير من الجنود الأتراك يتسامرون ويمزحون ، وبينما كان الآخرون يلوحون بأطراف ملابس إحرامهم ، كان أولئك الجنود يأتون حركات عنيفة كما لو كانوا يسخرون مما يحدث. لاحظت فوق التل الذى فى الخلف جماعات عدة من العرب ومن الجنود الذين كانوا يدخنون «شياشيهم» فى هدوء ، وفى تجويف قريب لاحظت امرأة كانت تبيع القهوة ، بينما راح زائروها يقاطعون جوع التقوى والورع السائد بين الحجاج ، عن طريق الضوضاء والضحك بصوت عال. كان هناك عدد كبير من البشر الذين كانوا مرتدين ملابسهم العادية. وقبيل انتهاء الخطبة كان القسم الأكبر من الجمع يبدون مرهقين ومهمومين ، بل إن الكثيرين منهم