وسط الضوضاء التى تصم الآذان ، وبخاصة أثناء المرور خلال المأزومين ، التى تؤدى إلى مزدلفة ، التى حل عليها جميع الحجاج بعد مسير دام ساعتين. فى مزدلفة لم يتبع النظام فى مسألة التخييم ، وكان كل واحد يخيم فى أول مكان يلاقيه ، ولم يجر نصب أية خيام فيما عدا خيام الباشوات وحاشيتهم ، وأما خيام الباشوات أضيئت المصابيح على شكل عقود عالية ، وظلت مشتعلة طوال الليل ، وتواصل إطلاق دانات المدافع بلا انقطاع.
خلال الفوضى التى لا يمكن وصفها والتى تنتج عن نفرة الحجيج من عرفات ، تضيع من كثير من الحجاج إبلهم ، وتراهم هنا وهم ينادون بصوت عال على جمّالتهم ، وهم يبحثون عنهم فى أرجاء السهل ، وأنا شخصيا كنت من بين هؤلاء الذين كانوا ينادون بصوت عال على جمّالتهم ، وأنا عند ما ذهبت إلى جبل عرفات أمرت جمّالى وعبدى أن يكونا مستعدين فى المكان الذى كانا فيه ، إلى أن أعود لهما بعد غروب الشمس ، لكنهما عند ما رأيا ـ عقب انصرافى عنهما ـ الجمال المحملة الأخرى وهى تتجه نحو الجبل حذوا حذوها ، وعند ما عدت إلى المكان الذى تركتهما فيه لم أعثر عليهما. وهنا اضطررت إلى النزول إلى مزدلفة سيرا على الأقدام ، حيث نمت فيها على الرمل وتغطيت بملابس الإحرام ، بعد أن قمت بالبحث عن رفاقى ساعات عدة.
فى اليوم العاشر من شهر ذى الحجة ، أو بالأحرى فى يوم العيد الذى يسمونه نهار الضحية ، أو نهار النحر ، يوقظ مدفع الصباح الحجاج قبل طلوع الفجر. ومع انبلاج أول خيوط النهار يتخذ القاضى مكانه على الحلبة المرتفعة التى تطوق جامع مزدلفة ، والتى يسمونها المشعر الحرام ، ويبدأ فى إلقاء خطبة شبيهة بالخطبة التى ألقاها فى اليوم السابق. كان الحجيج يحيطون بالمسجد من كل جانب ومعهم شعلات مشتعلة ، ويتابعون الخطبة وهم يلبون أيضا قائلين : «لبيك اللهم لبيك» لكن على الرغم من أن هذه الخطبة تعد إحدى الطقوس الرئيسية فى الحج ، فإن عددا كبيرا من الحجاج بقوا إلى جوار أمتعتهم ، ولم يحضروا تلك الخطبة. هذه الخطبة لم تكن طويلة جدا ؛ إذ استمرت من طلوع الفجر إلى شروق الشمس ، وهذه الفترة الزمنية أقصر