بالجانبين الجنوبى والشرقى من التل المقابل للخطيب ، واتخذا لهما مكانا أسفل الحلبة المواجهة لهما مباشرة فى حين كان الحرس يحيطون بهما. (*)
كان الخطيب ، أو بالأحرى الواعظ ، الذى عادة ما يكون هو قاضى مكة ، راكبا على جمل أنيق جرى اقتياده إلى الحلبة عن طريق السلم ، والموروث يقول إن محمدا صلىاللهعليهوسلم كان يجلس دوما وهو يتحدث إلى أتباعه ، وهذا هو ما يفعله الخلفاء اقتداء به صلىاللهعليهوسلم عند ما يأتون للحج ، والذين بدأوا اعتبارا من ذلك التاريخ يتحدثون إلى رعاياهم حديثا شخصيا مباشرا. ومع ذلك لم يستطع أتراك القسطنطينية ، الذين لم يعتادوا ركوب الإبل ، المحافظة على جلستهم مثلما كان يفعل النبى البدوى القوى ؛ نظرا لأن ركوب
__________________
(*) المحمل (الذى قدم له دى أوليسون D\'olisson وصفا دقيقا) عبارة عن إطار خشبى عال مجوف ، على شكل مخروط ، وله قمة هرمية الشكل مغطاة بستارة من الحرير الفاخر ومزينة بريش النعام ، وفيها كتاب صغير فيه دعوات وأوراد ، موضوع فى منتصف هذه القمة هرمية الشكل ، وملفوف فى قطعة من الحرير.(الوصف الذى أورده هنا مأخوذ عن المحمل المصرى.) والمحمل أثناء السير يكون بمثابة البيرق الشريف للقافلة ، وعند عودة القافلة المصرية ، يجرى عرض الكتاب فى مسجد الحسين ، فى القاهرة ، يقوم رجال الطبقات الدنيا ونساؤهم بتقبيله ، ويطلبون البركة بأن يروحوا يحكّون وجوههم فى هذا الكتاب. محمل القاهرة لا يوضع فيه أى كتاب آخر غير كتاب الدعوات. وقد أعلن الوهابيون أن هذا الطقس ضرب من ضروب عبادة الأصنام ، ويتعارض مع الدين الحقيقى ، وأن هذا الطقس كان سببا من الأسباب الرئيسية التى جعلتهم يعترضون القافلة ويمنعون وصولها إلى مكة ، وقالوا : إن الأمويين والعباسيين لم يكن لهم محمل فى قرون الإسلام الأولى. وهذا هو المقريزى فى حديثه عن «الخلفاء والسلاطين الذين أدوا فريضة الحج بشخصهم» يقول : إن الظاهر بيبرس البندقدارى ، سلطان مصر ، كان أول من أدخل مسألة المحمل هذه فى عام ٦٧٠ ه على وجه التقريب. واعتبارا من ذلك التاريخ ، أصبح السلاطين الذين كانوا يرسلون قوافلهم إلى مكة ، يعدون مسألة المحمل هذه علامة وإشارة إلى جلالتهم. جاء أول محمل من اليمن فى العام ٩٦٠ ه ، وفى العام ١٠٤٩ ه ، جاء المؤيد بالله ، ملك وإمام اليمن ـ الذى كان يعتنق المذهب الزيدى ـ جاء إلى جبل عرفات ومعه محمل ، يضاف إلى ذلك أن قوافل بغداد ، ودمشق ، والقاهرة ، كانت كل واحدة منها تجيىء ومعها محمل. وفى العام ٧٣٠ ه أحضرت القافلة البغدادية المحمل على ظهر فيل (راجع العصمى). وأنا أرى أن هذه العادة نشأت عن بيرق القتال عند البدو ، الذى يسمونه مركب ، والذى سبق أن أشرت إليه فى ملاحظاتى عن البدو ، والذى يشبه المحمل من حيث إنه إطار خشبى موضوع فوق جمل.