الطقوس المحددة. بعد الظهر ، يتعين على الحجاج الاغتسال وتطهير البدن ، عن طريق الوضوء الكامل حسبما هو منصوص عليه فى الشرع ، وهو ما يسمى الغسل ، الذى نصبت من أجله خيام عدة فى السهل ، لكن الجو كان ملبدا بالغيوم ، وباردا إلى حد ما ، الأمر الذى أقنع تسعة أعشار الحجاج ، الذين كانوا يرتعشون تحت ملابس الإحرام الخفيفة ، بالتغاضى عن طقس الغسل هذا ، والاستغناء عنه بالوضوء المعتاد. دخل وقت العصر (حوالى الساعة الثالثة بعد الظهر) وهو الوقت المحدد لحدوث ذلك الطقس من طقوس الحج ، الذى من أجله جاء هذا الجمع كله إلى هذا المكان. وهنا همّ الحجاج وراحوا يتجهون صوب جبل عرفات ، وغطوا جوانبه من القمة إلى القاع ، وفى التوقيت المحدد للعصر صعد الواعظ ، أو بالأحرى الخطيب ووقف على الحلبة التى على الجبل ، وراح يخطب فى الجموع. هذه الخطبة التى تستمر إلى غروب الشمس تشكل الطقس المقدس من طقوس الحج ، والذى يطلقون عليه اسم خطبة الوقفة ، وأى حاج حتى إن كان قد زار أماكن مكة المقدسة كلها ، لا يمكن أن يقال له حاج إلا إذا كان حاضرا لخطبة الوقفة هذه على جبل عرفات ، وبعد الانتهاء من صلاة العصر يبدأ تقويض الخيام ، وحزم الأشياء كلها ، وتبدأ القوافل عملية التحميل ، ويبدأ الحجاج فى ركوب الإبل ، ويتزاحمون فى سائر أنحاء جبل عرفات ، لكى يكونوا على مقربة من الخطيب ، إذ يكفى أن يكون الحجاج على مقربة من الخطيب. هذا هو محمد على باشا ، وسليمان باشا ، وقد وقف الخيالة من خلفهما على شكل سريتين ، بحيث كان موقعهما فى مؤخرة صفوف إبل الحجاج المتراصة ، وكان أهل الحجاز قد انضموا إلى هذا العدد الغفير من الحجاج ، وراح الجميع ينصتون فى خشوع واحترام إلى أن تنتهى خطبة الوقفة. كان الشريف يحيى يجلس على بعد مسافة كبيرة من الخطيب ، ومعه مجموعة حرسه الصغيرة ، التى كان جنودها يتميزون عما حولهم ، لأنهم كانوا يحملون بيارق خضراء اللون يضعونها أمامهم ، وشق المحملان ، اللذان يحمل كل منهما البيرق المميز لقافلته ، طريقهما بصعوبة بالغة عبر صفوف الإبل التى كانت تحيط