الشريعة تنص على أن الوقفة ، أو مكان الحج ، ينبغى أن تكون على جبل عرفات ، لكن الشرع بحكم الضرورة ينص أيضا على أن السهل فى الأرض المجاورة مباشرة لجبل عرفات يمكن اعتباره أيضا داخلا فى مصطلح «الجبل» أو بالأحرى جبل عرفات.
وأنا شخصيا ، قدرت عدد الأفراد المتجمعين بما يصل إلى حوالى سبعين ألف نسمة ، وكان طول المخيم يتراوح بين ثلاثة أميال وأربعة أميال أما عرضه فكان يتردد بين ميل واحد وميلين تقريبا. وليس هناك مكان فى الدنيا كلها ، صغير على هذا النحو ، ويضم هذه اللغات المتباينة ؛ تعرفت حوالى أربعين لغة من هذه اللغات ، ولا يخامرنى أى شك فى وجود عدد من اللغات أكبر بكثير من العدد الذى أحصيته. وقد بدا الأمر لى كأنى وضعت داخل معبد مقدس لا يضم سوى المسافرين والمترحلين ، ولم يسبق لى قبل الآن الإحساس بهذه الرغبة الشديدة فى اختراق أعماق فجوات بلدان كثير من هؤلاء الأشخاص الذين أراهم الآن أمامى ، متخيلا أنى لا يمكن أن أواجه أية صعوبات فى الوصول إلى بلادهم ، وذلك على العكس من المصاعب التى خبروها ومروا بها فى رحلاتهم التى قطعوها وصولا إلى هذا المكان.
الذهن عند ما ينشغل بهذا العدد الهائل من الموضوعات ، يجعل الوقت يمضى سريعا ؛ كل ما فعلته هو أنى نزلت من جبل عرفات ، ورحت أتجول فى سائر أنحاء المخيم لفترة قصيرة ؛ كنت أتجول هنا وهناك وأدخل فى حوارات مع الحجاج ؛ باحثا فى المخيم السورى عن بعض أصدقائى ، وكنت أتجول أيضا بين البدو السوريين ؛ بحثا وتصيدا لأخبار عن صحرائهم ، إلى أن انقضت فترة الظهيرة. الصلاة يجب أن تؤدى داخل أو بالقرب من مسجد نمرة ، وهو المكان الذى لجأ إليه محمد على باشا وسليمان باشا تحقيقا لهذا الهدف. القسم الأكبر من الحجاج يتحللون من مراعاة هذا الطقس ، كما يتغاضى الكثيرون منهم عن صلاة الظهر تماما ؛ والسبب فى ذلك أن الناس فى عرفة لا يشغلون أنفسهم بمسألة ما إذا كان جيرانهم يواظبون أو لا يواظبون على أداء