مكة. واقع الأمر إن خيمة زوجة محمد على باشا كانت مخيما مكونا من حوالى عشر خيام متباينة الأحجام ، تنزل فيها النساء المرافقات لها ، وكانت الخيمة كلها محاطة بسور من قماش الكتان ، ونقدر محيطه بحوالى ثمانمائة خطوة ، وكان يحرس مدخل هذه الخيمة بعض الطواشية الذين يرتدون ملابس رائعة. داخل هذا المسوّر كانت تنصب خيام الرجال الذين يدخلون ضمن حاشيتها الكبيرة. هذا التطريز الجميل الذى يزين ذلك القصر الكتانى من الخارج ، وكذلك الألوان المتباينة التى فى كل جزء أو ركن من أركان هذا القصر ، كل ذلك كان يشكل شيئا ذكرنى ببعض الأوصاف الواردة فى ثنايا حكايات ألف ليلة وليلة. لم يبرز من بين حاشيات الحجاج الأثرياء ، أو من بين أهل مكة ، أحد مثل عائلة الجيلانى ، ذلك التاجر الذى نصبت خيمته على شكل نصف دائرة ، وكانت تضارع من حيث الجمال والأبهة خيمة محمد على باشا ، وخيمة سليمان باشا ، كما كانت تتفوق تماما على خيمة الشريف يحيى. فى أجزاء أخرى من بلاد الشرق ، قد يجرّ التاجر الثرى الهلاك على نفسه ، إذا ما راح يستعرض ثراءه فى حضرة باشا من الباشوات ، لكن الجيلانى لم يتخل عن التقاليد التى تعلمها المكيون فى ظل الحكم القديم ، وبخاصة زمن الشريف غالب ، الذى لم يحدث أن مارس ضغطا على أى فرد من الأفراد ، يضاف إلى ذلك أن هؤلاء التجار يعتمدون حاليا على وعود محمد على باشا ، التى تقضى باحترامه لثرواتهم وممتلكاتهم.
ويتكرر طوال الفترة الصباحية إطلاق دانات المدافع التى جلبها كل من محمد على وسليمان باشا معهما. قلة قليلة فقط من الحجاج هم الذين اتخذوا لأنفسهم مناطق خيموا فيها على جبل عرفات نفسه ، وبخاصة فى المناطق التى يتوفر فيها بعض التجاويف الصغيرة أو الصخور المعلقة التى قد تحميهم من أشعة الشمس. هناك اعتقاد عام فى الشرق ، يزكيه الحجاج عند ما يعودون إلى أوطانهم ، مفاده أن الحجاج فى ذلك اليوم ، يكونون جميعا فوق جبل عرفات ، وأن الجبل له خاصية المعجزات ، وأنه يتمدد ويتسع فى ذلك اليوم ، لكى يتسع عند قمته ليضم عددا غير محدود من المؤمنين.