كما انضم إلى ذلك الركب أيضا بعض من أهل جدة الذين كانوا يتجمعون فى مكة منذ فترة قصيرة. وتبقى بوابات جدة مغلقة طوال خمسة أيام أو ستة بعد أن يهجرها هذا العدد الكبير من السكان.
غادرت سكنى ماشيا على قدمىّ ، وبعد ظهر ذلك اليوم ، وبصحبة رفيق وعبد ركبنا جملين ، استأجرتهما من جمّال سورى ، من مواطنى بلدة حمص. هناك اعتقاد مفاده أن ثواب الرحلة التى تقدر بمسير ست ساعات إلى عرفات يكون أكبر وأجزى إذا ما قطعها الحاج سيرا على الأقدام ، وبخاصة عند ما يكون حافى القدمين. فعل كثير من الحجاج ذلك الشىء ، أى صعدوا إلى عرفة سيرا على الأقدام وهم حفاة ، وأنا فضلت ذلك نظرا لأنى عشت حياة ثبات وقلة حركة طوال بضعة أشهر. أمضينا ساعات عدة قبل أن نصل إلى الحدود الخارجية للمدينة فى المنطقة الواقعة خلف المعابدة ، كانت هناك أعداد كبيرة من الإبل ، ووقعت أحداث كثيرة ؛ كان من بين الحجاج المرتدين ملابس الإحرام طائفة جالسة تقرأ القرآن وهم راكبون جمالهم ، بعض آخر من هؤلاء الحجاج كان يلهج بالدعاء بصوت عال ، بعض ثالث كانوا يلعنون جمّاليهم ويسبونهم ، ويتشاجرون مع القريبين منهم الذين كانوا يزاحمونهم على الطريق. خلف المدينة ، يبدأ الطريق فى الاتساع ، ومضينا خلال الوديان ، فى مسيرة بطيئة ، مدة ساعتين ، إلى أن وصلنا وادى منى الذى حدث تزاحم شديد عند مدخله الضيق. الشرع ينص على أن الحاج يتعين عليه تمضية خمس صلوات فى منى ؛ إذ كان محمد صلىاللهعليهوسلم يفعل الشىء نفسه ، ويبقى فى منى إلى صباح اليوم التالى ، إلى أن يصلى العصر ، والمغرب ، والعشاء ، ثم صلاة فجر اليوم التالى. وقد أدى الارتباك الناتج عن التأخير فى الطريق إلى إهمال هذا الشرط إلى حد ما فى الماضى ، وأصبح الحاج اليوم يمر بمنى وهو فى طريقه إلى عرفات.
قبل منى شاهدنا عن يميننا مسجد مزدلفة ، الذى قصده كثير من الحجاج لأداء صلاة العصر وصلاة المغرب ، ولكن القافلة واصلت مسيرها. خلف مزدلفة ، دخلنا الجبل من جديد عن طريق الممر الذى يطلقون عليه اسم المأزومين ، على الجانب الشرقى الذى انطلقنا منه إلى جبل عرفات. فى هذا المكان يمر الحجاج بين عمودين يسميان العلمين ، وعند ما يصل الحجاج إلى مقربة من المناطق المجاورة لعرفات ،