فى اليوم الثامن من ذى الحجة ، وفى الصباح الباكر ، مر الحج السورى على شكل موكب خلال شوارع المدينة ، وبصحبته كل الجنود المرافقين له للحراسة ، فى حين كان المحمل يتقدم موكب الحج. كان الحج السورى قد ترك أمتعته كلها فى الشيخ محمود ، فيما عدا الخيام التى سيجرى نصبها فى عرفات. كان السواد الأعظم من الحجاج يركبون داخل شبريات ، التى هى نوع من الهوادج التى توضع على ظهور الإبل ، لكن الأعيان هم وباشا دمشق كانوا يركبون فى تختاروانات ؛ والتختاروان عبارة عن صندوق مغلق يحمله جملان ، أحدهما فى الأمام والثانى فى الخلف ، والتختاروان عبارة عن نقالة مريحة باستثناء أنه يحتاج إلى سلم نقالى للصعود إليه والنزول منه. ويجرى تزيين رأس الجملين باستعمال الريش والشراريب ، والأجراس ، لكن رءوس الإبل المتدلية نحو الأسفل ، توضح مدى الإرهاق الذى أصابها بسبب الرحلة. بينما كانت تلك الإبل تمر فى الشوارع ، التى كانت عامرة ومزدحمة بأناس من مختلف الطبقات ، كانوا يحيّون القافلة بالهتافات والثناء والإعجاب. كانت الموسيقى العسكرية الخاصة بباشا دمشق ، والمكونة من حوالى عشرة أفراد يركبون الخيول ، تتقدم «تختاروان» الباشا ، والتختاروان الفاخر الذى كانت تركب فيه نساء الباشا ، والذى كان يسترعى الانتباه بصورة خاصة.
جاء الموكب المصرى عقب مرور الموكب السورى مباشرة ، وكان مكونا من المحمل (نظرا لأن القافلتين لكل منهما محمل خاص بها) ، ثم بعد ذلك الشبريات التى كان يركب فيها الموظفون العموميون الذين يصاحبون الحج بصورة دائمة ، ولم أر حاجا واحدا ضمن هذا الموكب. وقد نال المظهر الجميل للجنود المرافقين للموكب ، هو والمحمل الرائع الفخم ، وكذلك مظاهر الأبهة المحيطة بأمير الحج ، الذى كان قائدا للخيالة الأتراك ، والذى كان يدعى دلهيس ، نال كل ذلك إعجاب المكيين ، وكثيرا من علامات الاستحسان ، مثلما حدث مع الموكب الذى سبق الموكب المصرى. واصلت القافلتان سيرهما إلى عرفات بلا توقف.
قبل دخول وقت الظهيرة كان الحجاج كلهم ، الذين يقيمون فى مكة منذ مدة ، قد ركبوا إبلهم أيضا ، وازدحمت بهم شوارع مكة وهم يمشون فى موكب الحج ، وانضم إليهم السواد الأعظم من سكان مكة ، الذين اعتادوا الذهاب كل عام إلى عرفات ،