من الشيخ محمود ، فى موكب اليوم التالى ، متجولا فى سائر أنحاء مدينة مكة. ويصل محمد على باشا ، بصورة مفاجئة فى صباح ذلك اليوم قادما من الطائف لأداء الحج ، وللتفتيش على الخيالة التى جاءت برفقة القافلة المصرية ، والتى كانت بمثابة دعم زاد آمال الرجل فى الانتصار على الوهابيين. كان محمد على يرتدى ملابس إحرام غاية فى الأناقة ؛ إذ كان يلف شالا كشميريا ناصع البياض حول وسطه ، وآخر ناصع البياض أيضا حول كتفيه ، كان رأس الرجل عاريا ، لكن كان هناك ضابط يحمل شمسية يظلل بها ذلك الرأس ويحيمه من الشمس أثناء تجوال محمد على باشا وهو راكب جواده فى شوارع مكة. فى صباح هذا اليوم نفسه ، ارتدى الحجاج المقيمون فى مكة ملابس الإحرام فى منازلهم ، متبعين فى ذلك الطقوس المعتادة ، فى مسألة الصعود إلى عرفات ، وعند الظهر تجمع الجميع فى المسجد ، حيث ألقيت خطبة قصيرة بهذه المناسبة. كان الحجاج الذين جاءوا مع القافلة قد ارتدوا ملابس الإحرام فى عصفان ، التى تبعد عن مكة مسير محطتين ، لكن عددا كبيرا من هؤلاء الحجاج وبخاصة الخدم والجمّالة لم يخلعوا ملابسهم المعتادة ، بل ظهروا فى عرفات وهم يرتدون هذه الملابس ، دون أن يتسبب ذلك فى إحداث شىء من القلق أو المفاجات. المكان هنا خال من الشرطة الدينية أو شرطة التفتيش ، وكل إنسان هنا يفعل ذلك الذى يمليه عليه ضميره فيما يتصل بمراعاة أحكام الشريعة أو عدم مراعاتها.
يسود المدينة فى ذلك المساء نشاط مهتاج وصاخب. كان الجميع منشغلين بالاستعداد للصعود إلى عرفات ، راح الحجاج السوريون يبحثون عن المساكن المخصصة لهم ، ويتساءلون عن أحوال الأسواق ، ويقومون بزياراتهم الأولى للكعبة. غادر بعض الباعة الجائلين ، ومعهم أصحاب المحلات الصغيرة ليقيموا لأنفسهم محلات فى عرفات ، ويستعدوا لوصول الحجاج. قام بعض الجمّالة المصريين والسوريين باقتياد إبلهم غير المحملة عبر الشوارع وهم يعرضون تأجير تلك الإبل لمن يريد الصعود إلى عرفات. كان سعر استئجار الإبل فى ذلك العام معتدلا تماما ؛ نظرا لوفرة دواب الحمل بأعداد كبيرة ، وقد استأجرت اثنين من هذه الإبل لرحلة مدتها أربعة أيام إلى عرفات ثم العودة منها ، نظير ثلاث دولارات.