والابتعاد عن الدنيا. أثناء مقامى فى مكة وصل إليها أحد أعيان الأتراك قادما من القسطنطينية ؛ كان ذلك الرجل يعمل قهوجى باشا مع السلطان سليم ، وقد سمح له الحاكم الجليل الحالى بالذهاب إلى مكة على أمل أن يتوفاه الله فى تلك الأراضى المقدسة ، وقد أعلن عن وصول ذلك الرجل عن طريق الهبات الأميرية التى قدمها للمسجد الحرام.
القافلة السورية والقافلة المصرية تصلان دوما فى مواعيد محددة ، وعادة ما يكون ذلك قبل يوم أو يومين من الصعود إلى جبل عرفات. القافلتان تمران على منطقة بدر ، إما فى اليوم نفسه ، وإما بفاصل يوم واحد فقط. والقافلة السورية تأتى من المدينة (المنورة) فى حين تأتى القافلة المصرية من ينبع النخل ، وتسلكان طريقهما من بدر إلى مكة ، بفارق مسافة قصير فيما بينهما. وفى اليوم الخامس من شهر ذى الحجة من العام ١٢٢٩ الهجرى ، المصادف لليوم الحادى والعشرين من شهر نوفمبر من عام ١٨١٤ م ، أعلن أحد مقوّمى القافلة السورية عن وصول القافلة ، بعد أن وصل جريا إلى مكة ، أملا فى الحصول على الجائزة المخصصة للسباق فى مثل هذه المناسبة ، أو لمن يحمل أول أنباء وصول هذه القافلة بسلام. وكانت أصوات الدهماء العالية ترافق ذلك السباق إلى بيت والى المدينة ، الذى نفق عنده حصان ذلك السباق فور وصوله إلى المكان. كان خبر وصول القافلة مهما جدا ؛ نظرا لأن الناس لم يسمعوا شيئا عن تلك القافلة ، بل كانت هناك شائعات عن مهاجمة البدو لتلك القافلة وسلبها ونهبها عند ما كانت على الطريق المؤدى إلى شمال المدينة (المنورة) ، بعد ذلك بساعتين ، بدأ أناس كثيرون من أفراد القافلة يصلون إلى مكة ، وعند ما دخل الليل كانت القافلة قد وصلت بكاملها ، ونصبت خيامها ، وباشا دمشق على رأسها ، فى سهل الشيخ محمود.
وصلت القافلة المصرية فى ساعة مبكرة من صباح اليوم التالى ، وجرى إرسال الأمتعة والإبل إلى المكان المعتاد لتخييم الحج المصرى ، فى المعابدة ، ولكن المحمل ، أو إن شئت فقل الجمل الموقر ، فقد بقى فى الشيخ محمود ، حتى يمكن له أن ينطلق