وصول الأجانب والغرباء من سائر أنحاء العالم الإسلامى بدءا من تمبكتو إلى سمرقند. ومن جورجيا إلى بورنيو ، هو الذى يجعل من جدة هدفا مبتغى لعينى الرحال الأوروبى الفضولى ، الذى يستطيع عن طريق تقديم المساعدة والعون للحجاج الفقراء ، وإنفاق مبلغ صغير على المؤن والتموينات المطلوبة لهم ، جذب أعداد كبيرة منهم إلى منزله الذى يقيم فيه ، وقد يحصل على معلومات كثيرة عن كثير من الأجزاء والأماكن البعيدة وغير المعروفة فى كل من آسيا وإفريقيا. كل هؤلاء الغرباء ، باستثناء الطبقات العليا من المكيين ، يؤجرون منازلهم أثناء الحج ، ويطلبون من مستأجر الباطن أجرا عن أسابيع أو أشهر قليلة يعادل ما يدفعونه للمالك عن عام كامل. وأنا شخصيا ، دفعت أجرة عن غرفة واحدة ومطبخ صغير ومكان أو ملحق صغير لخادمى ، خمسة عشر دولارا ، عن مدة ستة أسابيع ، هذا المبلغ يساوى إجمالى القيمة الإيجارية للمنزل بكامله عن عام واحد ، وكان يتعين علىّ دفع هذا المبلغ لو أنى استأجرت هذا السكن خلال الأربعة عشر يوما السابقة للحج أو التالية له. كان البيت الذى استأجرت فيه ذلك السكن مقسما إلى مساكن عدة ، وكان مؤجّرا كله لحجاج متباينين بمبلغ مائة وعشرين دولارا ، بعد أن رضى صاحب المنزل لنفسه العيش فى سكن وضيع يرفض الغرباء السكنى أو الإقامة فيه.
بعض الذين يأتون إلى مكة بأعداد كبيرة قبل القافلة ، يكونون من التجار المحترفين ، وآخرون كثيرون يحضرون معهم بعض البضائع الصغيرة طلبا لبيعها ، الأمر الذى يجعلهم يتخلصون منها بلا تعب أو مشقة. من هنا يقضى هؤلاء الناس الفترة السابقة للحج فى متعة وسرور ، بعيدا عن الهموم والمخاوف فى فراغ ممتع ومريح على حد قول الآسيويين. ونحن إذا ما استثنينا أفراد الطبقة الراقية جدا ، نجد أن الحجاج يعيشون مع بعضهم البعض عيشة حرية ومساواة ، وهم لا يلجأون إلى استخدام الخدم إلا فى قليل من الأحيان ، بل إن الكثيرين منهم لا يستعملون الخدم مطلقا ، ويقسمون مختلف الأعمال المنزلية فيما بينهم ، مثل إحضار التموينات من السوق وطهو الطعام ، على الرغم من اعتياد الحجاج على استخدام الخدم فى هذه